زخمٌ جديد حظيَت به «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» عبر انضمام «ألوية صقور الشام» إلى صفوفها. الانضمام الذي أُعلن أمس جاء تحت مسمّى «الاندماج»، واحتفظت بموجبه «الحركة» باسمها، كما بـ«القيادة العامّة» لقائدها هاشم الشيخ (أبو جابر)، فيما تمّ التوافق على تسميّة «القوة المركزية» للتشكيل الجديد بـ«كتائب صقور الشام»، وعلى منح منصب «نائب القائد العام للشؤون السياسية» لقائد «صقور الشام» أحمد عيسى الشيخ (أبو عيسى).


مواقع مُعارضة نَقلت عن هاشم الشيخ قوله، خلال إعلان الاندماج، إن «الوحدة ستؤتي أكلها بعد شهر»، بينما أكّد أبو عيسى أن «التوحد يبشِّر بفتوحات قريبة». وخلال مؤتمر الإعلان، كُشف عن أن مباحثات طويلة كانت قد عُقدت بين الطرفين تمهيداً للاندماج، وأفضت إلى التوافق على «توحيد القضاء والمحاكم، وتوحيد العمليات العسكرية، وتنظيم الإشراف على معبر باب الهوى الحدودي».
وبغض النظر عن التهليل الكبير الذي حظيت به الخطوة بوصفها «خطوة على طريق اتحاد جميع الفصائل»، فإنّ الاندماج المذكور يُعتبر تغيّراً بارزاً في خريطة المجموعات المسلحة، ومُمهّداً لتغيرات في المشهد الميداني، وعلى وجه الخصوص في الشمال السوري.

عوامل التقارب

بين الطرفين قواسم مشتركة عدّة، أبرزها يرتبط بتقارب داعميهما، فهما يحظيان بدعم «تركي ــ قطري». ورغم أن «أحرار الشام» تتمتع بأفضلية لدى الأتراك، ورغم أن «صقور الشام» كانت في مرحلة من المراحل محسوبة في الدرجة الأولى على السعودية، غير أن جذور قائد "الصقور" أبو عيسى الشيخ «الإخوانية» وارتباط عائلته تاريخيّاً بـ«الجماعة» يمنحانه مكانةً خاصة لدى أنقرة. وإذا كانت «أحرار الشام» قد تجاوزت «محنة» اغتيال قادتها السابقين، واستعادت توازنها سريعاً بفضل الدعم التركي على مختلف الأصعدة، فإن الخطوة الجديدة تُعتبر إضافة لا يُستهان بها إلى رصيد «الحركة»، سواءٌ لجهة حجم القوة الميدانية، أو لجهة «القبول الشعبي» في ريف إدلب على وجه الخصوص. ومن المعروف أن ريف إدلب يُعتبر الحاضنة الأساس لـ«صقور الشام»، وما زال قائدها «أبو عيسى» يحظى برصيدٍ «شعبي» هناك قياساً بباقي قادة المجموعات. «حركة أحرار الشام»، بدورها، كانت قد دأبت على محاولات كسب «الحاضنة الشعبية» هناك، وأخذت موقف المُدافع عن سكان بعض القرى والبلدات في وجه «جبهة النصرة». («الأخبار» ــ العدد 2481).

مستقبل العلاقة مع «النصرة»؟

يُعيد «الاندماج» وضع التساؤلات عن مستقبل العلاقة بين «أحرار الشام» و«النصرة» موضع البحث. الأخيرة بدورها باتت تنظر إلى إدلب بوصفها «إمارة» غير معلنة، ما يحول المحافظة إلى ميدان للتنافس بين الطرفين، وساحةً لحرب مُحتملة بينهما، أو لتوحّد لم تظهر أي ملامح له بعد. وفي جعبة «صقور الشام» ثأر قديم عند «النصرة» التي كانت طرفاً في معارك أفضت إلى تقويض نفوذ «الصقور» في عدد من مناطق ريف حلب الجنوبي، ووصلَ الأمر حينَها إلى إصدار «النصرة» مع مجموعات أخرى بياناً هاجم «أبو عيسى الشيخ» الذي ردّ بوعيد مبطن عبر «تغريدته» الشهيرة: «الصقور لن تصبح حمائم في يوم من الأيام». («الأخبار» ــ العدد 2469 و2470).

نعي لـ«الجبهة الإسلامية»

يُعتبر اندماج المجموعتين بمثابة نعي رسمي لـ«الجبهة الإسلاميّة» التي صُدّرت إبّان تشكيلها (تشرين الثاني 2013) على أنّها «المكوّن الجامع»، وهو ما لم يُترجَم على الأرض منذ التشكيل، ولم تعدُ «الإسلاميّة» كونَها تسمية إعلامية. «أحرار الشام» كانت قد ضمّت إلى صفوفها سابقاً «الجبهة الإسلامية الكردية» و«لواء الحق»، وهما أصغر موكنات «الجبهة الإسلاميّة» المُفترضة. أمّا «لواء التوحيد» و«لواء أحرار سوريا» فتحوّلا إلى اثنين من مكونات «الجبهة الشاميّة»، بينما بقي «جيش الإسلام» قائماً بذاته وعصيّاً على الشراكات الفعليّة. وتجدر الإشارة إلى أن الأخير كان قد أعلن و«صقور الشام»، في آب الماضي، «اندماجهما الكلي تحت مسمى الجبهة الإسلاميّة»، على أن يتولى القيادة زهران علّوش، لكن الخطوة وقفت عند حدود الإعلان عنها ولم تلقَ ترجمةً فعليةً على الأرض.

من هُما «الشيخان»؟

هاشم الشيخ (أبو جابر)، من مواليد 1968 في مدينة مسكنة شرق حلب. قاتل في صفوف «قاعدة الجهاد» في العراق. سُجنَ عام 2005 عند عودته إلى سوريا. أطلق سراحه في أيلول 2011، وأسّس بعد فترة قصيرة «كتيبة مصعب بن عمير» في مسكنة، والتي انضمت في ما بعد إلى «أحرار الشام». عُيّن لاحقاً عضواً في «مجلس شورى الحركة»، ثمّ «أميراً للحركة في حلب» بعد مقتل أبو خالد السوري (وكيل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظاهري في سوريا). في أيلول الماضي اختير «قائداً عاماً للحركة» بعد الحادثة التي أودت بمؤسّسها وقائدها السابق حسان عبود وعدد من أبرز قيادات الصف الأول فيها.
أحمد عيسى زكريا الشيخ (أبو عيسى). من مواليد 1972، من قرية سرجة ـ جبل الزاوية في محافظة إدلب. عمل في شبابه في «نشر الدعوة»، ولا تتوافر معلومات موثوقة عن مشاركات سابقة له في «الجهاد». ورغم أن كثيراً من المصادر أكدت أنه اعتُقل في سجن صيدنايا العسكري في آذار 2004، وأنه تعرّف هناك إلى زهران علوش وحسان عبود، غير أن الشيخ أكّد أن هذه المعلومات غير صحيحة، وأنّه «اعتُقل 11 شهراً في فرع فلسطين، ولم يلتقِ بأحدهما في المعتقل». في أيلول 2011 شكّل الشيخ «كتيبة صقور الشام»، التي تحولت لاحقاً إلى «لواء»، ثم «ألوية». في أيلول 2012، كانت على رأس مكوّنات «جبهة تحرير سوريا» التي تزعمها أبو عيسى الشيخ نفسه. وفي تشرين الثاني 2013 انضمت الى «الجبهة الاسلامية»، واختير الشيخ رئيساً لـ«مجلس الشورى» فيها. تتبنى «صقور الشام» فكراً «جهادياً» غير مُعلن، وهي واحدة من أوائل المجموعات التي استقبلت «المهاجرين» (المقاتلون الأجانب). وكانت «هيئة الإرشاد والدعوة» التابعة لها قد افتتحت في تشرين الأول 2013 معهداً سمّته «معهد حمد بن عاصم لإعداد المجاهدين». وحمد بن عاصم هو واحد من «المهاجرين» السعوديين الذين قاتلوا في صفوف «الصقور»، ولقي مصرعه في واحدة من معارك الساحل السوري.