رغم الطابع الطائفي الذي يروّج له في سوريا، برزت ظواهر عديدة تبرز جانباً آخر من حياة السوريين، كظاهرة الزواج المختلط. يرفض العديد من السوريين أن تكون الطائفية سمة من سمات الحرب القائمة. وربما تكون حالات الزواج المختلط التي تشهدها المناطق الساخنة حتى، بوابة لفهم بعض النواحي الاجتماعية في البلاد. فالدم والموت لم يمنعا التقارب بين الساحل السوري وأقصى الجنوب، من خلال زيجات أبت الدخول ضمن دائرة الصراع المذهبي، وحفلات زفاف جمعت عشاقاً من معظم الأراضي السورية.
حسام، الجندي في الجيش السوري من بلدة صافيتا التابعة لمحافظة طرطوس، يروي قصة زواجه من فاطمة، ابنة بلدة كفرعايا الحمصية. فرحلة الشاب على خطوط التماس في كفرعايا، المجاورة لحي بابا عمرو الشهير، توّجها الحُب رغم تحديات المعركة والضغوط الاجتماعية. يقول: «لم تمسك عائلتي بيدي عندما أخبرتهم بنيّة زواجي. كان رفضهم نابعاً من اختلاف العادات والتقاليد لفتاة ستشهد فارقاً بين المدينتين، واختلافاً بين بيئتين عمّقته الحرب. إلا أنّ فاطمة، بعدما أثبتت أن التأقلم والعشرة هما أساس إنجاح الزواج، غدت الأقرب إليهم».
«في البداية يكون البعض حذرين في إبداء الرأي، وبعد الزواج نصبح مضرب مثل. لا يخلو الموضوع من بعض الآراء غير المصرّح بها أمامنا، ولكن كان يكفينا أن البعض يراقبنا من بعيد ويرى أن خيارنا هو الصحيح ولو كانت البدايات صعبة»، يضيف حسام.
في ريف حمص أيضاً، يؤكد أحمد، ابن درعا، المقاتل في الجيش السوري، أنّ «الكثير من رفاقه لم يوقفهم الهاجس الطائفي عن المضيّ في زواجهم ممّن يحبون»، متفائلاً بنضج وإدراك الشباب السوري. ويضيف قائلاً: «زوجتي كانت شريكتي الداعمة، وعائلتها التي تعيش في ريف حمص كانت من الطيبة والبساطة بحيث احتضن أفرادها زواجنا، واعتبروني أحد أبطال الجيش المدافعين عن الأرض السورية». عائلة سلمى، زوجة المقاتل السوري، لم تتأثر بالانقسامات الحاصلة، بل رأت أن الشاب لا يختلف عن أي جندي من جنود الجيش، وباركت الزواج.
بدورها، تروي ريم، مدرّسة في طرطوس، ظروف زواجها من أمجد، ابن غوطة دمشق الذي رفض تسلّح عائلته، وانضمام أبنائها إلى صفوف «الجيش الحُر»، واختار الارتباط بريم، رغم معارضة أهلها لهذا الزواج. غير أنّ الأخيرة اختارت الارتباط بمن تحب رغم ما قاله لها شقيقها قبل الزواج: «أنت خائنة، إذ تمضين نحو من يقتلون أهلك والأبرياء في بلادك». لكن ريم وجدت أنها غير معنية بهذا الكلام، إذ تقول: «لم أقبل أن أحيا بعقدة حرب البسوس الغابرة. يلزمنا الكثير لنغيّر موروثاتنا. الحرب لا تودي بالعقول إلى الوراء بل تؤثر في تمسك المواطنين بوحدة بلادهم. ولم أعتبر نفسي خائنة. كنتُ مجرّد عاشقة». وتؤكّد على موقف والدها الداعم لها: «قال لي وأنا أخرج من بيته زوجةً: إنّه خيارك. أتمنى لك التوفيق». وإن كان النزوح قد شهد أقسى أنواع التعامل مع المرأة السورية، وتعدّدت فيه حالات الاغتصاب وزواج القاصرات والاتجار بالنساء، إلّا أنّه في الوقت ذاته شهد الكثير من حالات الزواج القائمة على توافق الطرفين. ولعلّ حكاية عامر، الجندي في الجيش، تلخّص تلك الحكايات؛ فالشاب القادم من مدينة اللاذقية ليؤدّي خدمته في العاصمة دمشق، وقع في حب الفتاة النازحة من قرية الفوعة، في ريف إدلب، وحظي بموافقة والدها حين تقدّم لخطبتها «دون أن يطلب مهراً» بحسب ما يقول.
إن كانت بعض أهداف هذه الحرب تدمير انتماء السوريين إلى وطنهم أولاً، إلا أنّ البعض آثر تأكيد ذلك في رباط دائم عبر خيارات لا تكون الطائفية والمذهبية جزءاً منها.