تحاول السيدة الخمسينية أم حسن، إقناع نفسها بأن زيت الزيتون الذي تتفصحه «بلديّ»، رغم أن طعمه وسعره المنخفض يشيان بالعكس. فتقول خلال جولتها في سوق باب سريجة: «أسعار زيت الزيتون الكاوية حرمتنا شراءه، ما يجبرني على شراء زيت أقل جودة». وعلى مقربة منها يحاول بائع زيت آخر إقناع زبائنه ببضاعته المغشوشة، ويردّ متجهماً عند سؤاله عن المصدر: «من ريف إدلب. معبأ بطريقة صحية دون إضافة أي مواد مضرة، لكنه نخب ثالث يناسب المواطن الفقير لعدم قدرته على شراء الكيلو بـ1200 ليرة». وعلى بعد خطوات منه يعرض بائع «بالدين» مختلف أنواع السلع الغذائية، من دون مراعاة أدنى الشروط الصحية. يشرح لنا، بينما تُفاصله عدة نسوة، «نراعي وضعهن المعيشي، حيث يبعن الخبز لمساعدة عائلتهن المهجرة»، وعلى عكس جاره يعلّق «أنا شغيل ولا أعرف مصدر السلع».يشرح لنا معاون مدير التجارة الداخلية في دمشق، محمود الخطيب، أن مخالفات زيت الزيتون هي «الأكثر رواجاً، فارتفاع أسعاره يدفع ضعاف النفوس لمزج زيوت نباتية عديدة مع أصنصات منكهة تحوي مواد مسرطنة».
غش المنظفات يضاهي الزيوت، فهي أيضاً تباع بلا رقيب وخاصة «الفرط» منها. يوضح موظف حكومي متقاعد يبيع عينة منها على بسطته المتواضعة، أن «العديد من الأشخاص يخشون شراء منظفات من دون اسم، لكنّ الكثيرين يشترونها لارتفاع أسعار البدائل الأصلية». وعن الضرر التي يسببه غش المنظفات، يكشف رئيس اتحاد حرفيي دمشق، مروان دباس، لـ«الأخبار»، أن «غش المنظفات يجري بإضافة الكثير من الملح مع خفض المادة الفعالة ما يتسبب بظهور أمراض جلدية».
الألبان المغشوشة هي الأخطر حيث تضاف أثناء صناعتها مادة الزنك

وقد يكون إنتاج الألبان المغشوشة هو الأخطر حيث تضاف أثناء صناعتها مادة الزنك، ما يعرض المستهلك للإصابة بمرض السرطان. وفي ضوء الضرر الذي لحق بالثروة الحيوانية خلال الأعوام الماضية، أصبحت تباع منتجات الألبان المخالفة في أحياء دمشق وأسواقها علانية. فعند مدخل سوق شارع الثورة، تجلس بائعات لبن مصفى بسعر منخفض. ترد إحداهن عند سؤالها عن تدني السعر، بابتسامة خفيفة وتشرح: «اشتري يومياً قرابة 20 كيلوغراماً من معمل يوزع منتجاته لمن يرغب. يصنعها من حليب البودرة الجاف مع النشاء ومن يدعِ أنها بلدية يكُن كاذب، فاليوم كيلو الحليب بـ170 ليرة. كيف يمكن بيع اللبنة البلدية بـ350 ليرة». وهنا يبرر رئيس اللجنة الغذائية في غرفة صناعة دمشق وريفها طلال قلعجي، استخدام المعامل للحليب البودرة الذي لا يعدّه غشاً «لاستيراده وفق المواصفات السورية»، متوقعاً انخفاض أزمة نقص المنتجات الطبيعية «بعد استيراد دفعة من الأبقار».
بدوره، يؤكد رئيس اتحاد حرفيي دمشق ضرورة الامتناع عن شراء الأسماك غير المعروفة المصدر، لأن رحلتها للوصول إلى سوريا تتطلب وقتاً طويلاً، وغالباً ما تكون فائضة عن بلد المصدر، وتحوّل للإتلاف، غير أن مافيا السمك العالمية تصعقه وتصدّره إلى الدول الفقيرة. ويسخر دباس من وجود لجان تراقب استيراد السمك، ويرى أن «الموظف المسؤول يحرص على إرضاء مديريه قبل الاهتمام بصلاحية السلع». من جهته يرى رئيس اللجنة الغذائية بغرفة صناعة دمشق وريفها، أن «اللحوم قابلة للغش بسهولة وخصوصاً المطحون منها، حيث سمح استيراد لحم الجاموس من الهند، بأن تقدمه المطاعم بآلاف الليرات على أنه لحم غنم، بينما تكلفته لا تتعدى المئات».
ولا يقتصر الغش على الأراضي السورية بل تجاوزها إلى خارج الحدود، وخاصة لبنان وتركيا. ويؤكد الصناعي أكرم الحلاق وجود تزوير لمختلف أصناف المنظفات المعروفة بشكل يسيء للمنتج الوطني ويحد قدرته التنافسية، دون وجود تنسيق رسمي سوري ــ لبناني لوقف هذه المخالفات. ويوضح أن «محامين لبنانيين يتابعون القضية، رغم الصعوبات كون المخالفين مخفيين ومنتجاتهم ظاهرة في الأسواق، والغرف تحاول الوصول لأشخاص يساعدونها بالدلالة عليهم».

المواطن «محقوق»

«السلع المغشوشة تتكلم عن نفسها. المواطن يغش نفسه أولاً»، هكذا يرى رئيس اتحاد حرفيي دمشق، مشدداً على «الشراء من المحلات النظامية. فالدوريات التموينية ترصد حالات الغش دون التمكن من قمع كل حالاتها لانتشار البسطات». على الجانب الآخر، يرى رئيس اللجنة الغذائية في غرفة صناعة دمشق وريفها، طلال قلعجي أن «الرقابة الصحية والتموينية نائمة، فالمفروض ملاحقة كل أصناف الغش جراء التفنن بابتكار أساليبه... كل جهة تغني على ليلاها وغرفة الصناعة لا تمتلك الصلاحية لمتابعة عمليات الغش، والدوريات لا ترضى بوجود مندوب من الغرفة كيلا تتضرر مصالحها»، وهو ما يرفضه معاون مدير التجارة الداخلية في دمشق، مؤكداً أنه «منذ بداية العام نظم أكثر من 11 ألف ضبط مع إغلاق 250 محلا تجاريا بسبب مخالفة المواصفات».
يشرح مدير التجارة الداخلية في دمشق، محمود الخطيب، أنه يجب إزالة البسطات وتحويلها إلى أكشاك مرخصة، موضحاً أن «الدولة قادرة على إزالتها نهائياً لكنها تنظر بعين العطف لأصحابها في هذه الظروف»، وهنا يؤكد الصناعي أكرم الحلاق أن «الغش يتقلص حينما تكون يد الدولة واصلة إلى كل مكان، فالأمان سيحتم انزواء التاجر المخالف ليبقى أصحاب المهن الحقيقية».