أريحا | «أنزه بلاد الله وأطيبها»، بهذه الكلمات وصف الشاعر والرحالة ياقوت الحموي مدينة أريحا، جنوب إدلب، في الشمال الغربي من سوريا، والتي حوّلتها الحرب، بفعل موقعها الاستراتيجي، إلى أرض نزاع تسعى أطراف الصراع للسيطرة عليها. فأريحا تقع على سفح جبل الأربعين، بالقرب من الطريق الدوليّة (حلب ــ اللاذقية)، ولا تبعد عن مدينة إدلب سوى 13 كلم. سبّب الأمر لأهالي أريحا الكثير من الكوارث، فقدوا خلالها عشرات الضحايا، ما دفعهم إلى تأييد المصالحة التي جرت في مدينتهم، في شهر آب 2013، والتي أدت إلى خروج المسلحين ودخول الجيش السوري إليها، وتشكيل لجان شعبية لحمايتها.
إلّا أنّ ذلك لم يجلب للأهالي الأمان المنشود، آنذاك، فسرعان ما عاد المسلحون ليرتكبوا مذبحة بحقّ المدنيين يوم 12 آب 2013.
اليوم. وبعد مرور أكثر من عام على المذبحة، لا يزال العديد من السكّان يحجمون عن الحديث عن تلك الذكرى. يفضّلون الصمت جرّاء خوف بات جزءاً من يوميّاتهم. ولكن رغم ذلك فإنك تجد بين الأهالي من يندفع لرواية حكايات الألم والمعاناة التي كابدوها أثناء سيطرة المسلحين على المدينة، حتى تاريخ ارتكاب المجزرة.
محمد القربي يروي متذكّراً: «كانت أوّل عملية مصالحة في إدلب بين السلطات والمسلحين، وقد باركها الأهالي، ولكن مع مضي عشرة أيّام، فوجئنا بعودة المسلحين؛ بعضهم من أبناء المدينة والبعض الآخر من أبناء القرى المجاورة، إضافة إلى عدد من المقاتلين الأجانب، ليشنّوا هجوماً على كافة النقاط العسكرية المحيطة بالمدينة، ما أثار ذعر الأهالي الذين راحوا يتزاحمون للاختباء من الرصاص والتفجيرات، لنعرف لاحقاً أنّ المسلحين اقتحموا حي غنيم المعروف بـ«جب القاضي» وارتكبوا مجزرة بحق عائلة مؤلفة من ستة أشخاص تمّ ذبحهم بحجة انضمام أقاربهم إلى اللجان الشعبية، لتبدأ عندئذ حركة النزوح باتجاه إدلب واللاذقية لمن استطاع أن يفلت من قبضة المسلحين».
أمّا فداء حلوم فتقول إنّها فقدت شقيقتها في تلك المذبحة، وتروي عن ذلك اليوم: «كان يوماً مرعباً. كنا نحتمي بالمنازل، ولم نستطع الهرب جرّاء كثافة الرصاص. وازداد خوفنا بعد معرفتنا بقتل المسلحين لامرأة تدعى باسمة عيد ذبحاً بالسكين لأنها كانت تُعدّ الطعام لعناصر حاجز للجيش». أحمد حلبية يصف المسلحين في ذلك اليوم بالقول: «كانوا كالوحوش الهائجة، يطلقون الرصاص على الأقدام بقصد القبض على الأشخاص على قيد الحياة ليجهزوا عليهم ذبحاً، ومن ثم يحرقون الجثث. هذا ما حدث قرب حديقة الفداء، حيث ذبحوا أربعة أشخاص من اللجان الشعبية، ومن ثم حرقوهم. كذلك قتلوا طفلين في حارة غنيم ورموهما في بئر قديمة بعد حرقهما».
أكثر من عام على المذبحة ولا يزال الخوف ملازماً للأهالي الذين يعيشون وطأة الأحوال الاقتصادية القاسية. «ما بدنا نحكي شي، بدنا نعيش» يقول أحمد حبوش، مضيفاً: «لا نريد الحديث عمّا جرى، يكفينا ما عانيناه. مطلبنا هو البقاء في المدينة آمنين، ونطلب من الحكومة أن تخفض الأسعار لا أن ترفعها، فمصالحنا كلها تعطلت».
رئيس مجلس مدينة أريحا، عبد العزيز سراقبي، الذي تعرّض للاختطاف مع ولده على إثر المذبحة بسبب دعمه للمصالحة، يقول لـ«الأخبار»: «بعد دخول الجيش إلى المدينة عادت الحياة إلى طبيعتها، وجرى بعدها تكليفي رئيساً للبلدية. عانينا الكثير من الصعوبات بداية الأمر، ولكن تم تذليلها مع الوقت. واليوم يعيش في المدينة نحو 59 ألف نسمة من أصل 74 ألفاً من الأهالي الأصليين، إضافة إلى نحو 12 ألف نازح، ولم يبق في المدينة حاضنة شعبية للمسلحين، فالجميع تأذّى ودفع ثمن ذلك».