العبء «الجهادي» باتَ أكبر من أن يحتمله كاهل المجموعات المسلحة السوريّة وداعميها الإقليميين، لكن «البندقية الجهادية» أثبتت أنّها العنصر الوازن فعليّاً بين «القوى المُعارضة». وفي محاولة للمزاوجة بين هذا وذاك، يجري البحث في «طبخة» جديدة، يسعى رُعاتها إلى الخروج بمعادلة تستطيع الإفادة من «الجهاديين» بوصفهم أفراداً، مع التخفف من عبء الكيانات وأيديولوجيّتها المُعلنة. معادلة يبدو أنها وجدت ضالّتها في احتضان «الجهاد المقنّع».
تحت هذا العنوان يُمكن إدراج حملات الترويج لضرورة «اتحاد الفصائل»، والتي تزايدت في الفترة الأخيرة على لسان عدد من أبرز قادة المجموعات المسلّحة، وعدد من الوجوه «الشرعيّة» المؤثرة في «الرأي العام الجهادي». وفي تزامن لافت، اكتشف هؤلاء خطر «التفرق، والعصبية التنظيمية»، وضرورة «الاتحاد تحت راية واحدة». ومن بين المروّجين يبرز كلّ من أبو عيسى الشيخ (أحمد عيسى الشيخ، قائد ألوية صقور الشام)، وأبو صالح طحان (القائد العسكري لحركة أحرار الشام الإسلاميّة)، وأبو حسن الكويتي (علي بن حمد العرجاني)، وعبد الله المحيسني، وآخرون. اللّافت أنّ حديث هؤلاء يتزامن مع إعادة الترويج لفكرة قديمة مفادُها «ضرورة الاصطفاف تحت راية واحدة هي راية جيش إسلامي، وليست راية إمارة إسلامية». الاختلاف بين المصطلحين يشابه في جوهره الاختلاف بين توجهات «جبهة النصرة» التي سعت باستماتة إلى إعلان «إمارة إسلامية»، وتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي سبقها بإعلان «الخلافة» من جهة، وبين «ميثاق الجبهة الإسلامية» من جهة أخرى. وبينما تقوم فكرتا «الخلافة» و«الإمارة» على مفاهيم مثل «تطبيق الحدود، وأخذ الجزية»، ينص ميثاق «الجبهة الإسلامية» على «بناء مجتمع إسلامي حضاري يُحكم بشرع الله (...) تسلك في سبيل ذلك العمل المؤسسي بما يحقق التكافل والتعايش بين مكونات المجتمع السوري».

خلطة «الجهاد المقنّع»

معلومات متضاربة يجري الترويج لها حول حقيقة مستقبل المشهد «الجهادي» وواقع تنظيماته، فيما تكشف معلومات «الأخبار» أنّ «هذا التضارب مقصود، وضروري لإنجاح الطبخة الجديدة». مصادر «جهادية» مختلفة تحدّثت خلال اليومين الماضيين عن تحوّل مرتقب في مسار «جبهة النصرة»، الأمر الذي نفته مصادر أخرى (مزيد من التفاصيل). كذلك تحدثت بعض المصادر عن «اتحاد وشيك لعدد من الفصائل، مثل النصرة وأحرار الشام وجيش المهاجرين والأنصار تحت راية جهادية واحدة»، الأمر الذي نفته أيضاً بعض المصادر.
ينقسم المشهد إلى «جهاد مُعلن» وآخر «مُقنّع» يعاد تأهيله
وتبدو هذه المماحكات وحالات الأخذ والرد مرشحة للتصاعد في الأيام القادمة. وإذا كان مثل هذا الأمر معهوداً بين أنصار «داعش» من جهة، ومناوئيه من جهة أخرى، فاللافت أنّه يحدث هذه المرّة داخل معسكر واحد هو معسكر «مناوئي داعش». وتؤكد معلومات «الأخبار» أنّه مُبرمج، ويأتي في إطار ما يمكن تسميته «الفوضى الجهاديّة الخلّاقة». ومن المنتظر أن تترافق هذه الفوضى مع إجراءات على الأرض فرضتها المستجدّات المتتالية التي جعلت رفع لواء «الحرب على الإرهاب» أمراً لا مناص منه. إجراءات تتمحور حول تخفيض التسهيلات التي يُقدمها الرعاة الإقليميون إلى «جهاديي النصرة، وجبهة أنصار الدين على وجه الخصوص»، بالتزامن مع رفع حجم الدعم المقدّم إلى تشكيلات أخرى ترفع راية «المجتمع الإسلامي» لا «الإمارة، أو الخلافة»، ما من شأنه أن يدفع «الجهاديين» الأقل «عصبيّة تنظيميّة» من عناصر «النصرة وأنصار الدين» وأشباههما إلى الانتقال تدريجيّاً إلى صفوف الفريق الأكبر دعماً، فيما يستمر أصحاب «الولاء الجهادي الأعمى» على ولائهم، لتكون النتيجة الفعلية انقسام المشهد إلى «جهاد مُعلن»، وآخر «مُقنّع» يعاد تأهيله على نحو مشابه للتجربة التي تمّ تطبيقها في الشمال السوري، وأثبتت نجاحها (حتى الآن) في جمع عدد من التشكيلات تحت راية «الجبهة الشاميّة». وتجدر الإشارة إلى أن استمرار تشكيلات «الجهاد المُعلن» (سواء اتّحدت تحت راية جهادية واحدة أو لا) يبدو ضرورياً على المدى المنظور لاستنزاف مزيدٍ من القوى، كذلك يتيح هذا الفرز إمكانية محاربتها مستقبلاً على نحو يستنسخ تجربة محاربة «داعش»، وهو أمر لن يؤثر فيه اتحادها، بل ربّما سهّلها.