بعد أسابيع على سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة الموصل في العراق، حملت السعودية اقتراحاً إلى القاهرة، يقضي بدخول قوات مصرية، مدعومة بقوات باكستانية، وسط العراق وشرقي سوريا لـ«وقف زحف داعش». وبحسب مصادر دبلوماسية «شرقية» في بيروت، «قوبل العرض السعودي الذي يحمل رضىً أميركياً برفض مصري وارتياب باكستاني».
لكن أميركا والسعودية لم تُسقطا خيار إدخال «قوات عربية» من حساباتهما، بالتزامن مع بدء الضربات الجوية لطائرات «التحالف الدولي» وإحضار قوات أميركية وبريطانية خاصة إلى العراق وشمالي الأردن، تحت غطاء المستشارين العسكريين. غير أن إحراق «داعش» للطيار الأردني معاذ الكساسبة، شكّل نقطة تحوّل في الدور الأمني والعسكري الذي يؤدّيه الأردن في الميدان السوري تحديداً، على ما تؤكّد مصادر سياسية سورية.
على مدى السنوات الماضية، توجّه الحكومة السورية أصابع الاتهام للأردن، لتسهيله عبور المسلّحين والسلاح إلى درعا والقنيطرة، ومنع عودتهم إلى الأردن بالقوّة. وشكّلت مدن الزرقاء والرمثا والمفرق الخلفية اللوجستية لمسلحي المعارضة الموزّعين على كتائب بغالبيتها تحمل فكر «تنظيم القاعدة»، من «جبهة النصرة» إلى «حركة المثنّى» وفصائل أخرى. وحضن الأردن عدداً من معسكرات التدريب التي يشرف عليها خبراء أميركيون وباكستانيون. ومدّت الاستخبارات الأردنية، بحسب مصادر معنية بالجبهة الجنوبية، المسلّحين بمعلومات عن توزّع القوات السورية، وحدّدت أولوية الأهداف وسعت لتوحيد كتائب المعارضة المتناحرة على ضرب مواقع الجيش، فضلاً عن شراء منظومات الدفاع الجوي السورية التي غنمها المسلحون بأسعار زهيدة، (لا سيّما صواريخ «إيغلا» المسروقة من اللواء 112. قام بسرقتها «لواء عمر المختار»، وسلمت إلى الاستخبارات الأردنية في أيلول 2014).
زجّ الجيش الأردني بقطعات جديدة على الحدود السورية
وبقيت «غرفة العمليات المشتركة، الموك»، التي تضمّ ضباطاً خليجيين وغربيين وإسرائيليين، لأكثر من عامين في منطقة «استراحة الرشيد» في المفرق، قبل أن تنتقل العام الماضي إلى عمّان، مع دور أكبر لضباط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
في الأشهر الماضية، استمر الأردن بدوره السابق، وبدأ عملاً جديداً داخل مخيّمات اللاجئين السوريين في شماليه، لتطويع الذكور في كتائب مسلحة جديدة تحت عنوان «محاربة داعش»، وإعادة تفعيل الضباط والعناصر المنشقّين عن الجيش السوري للدخول في هذه الكتائب، بالتزامن مع خفض المساعدات للاجئين، وإغداقها على المتعاونين مع الجيش والاستخبارات الأردنية. ليس هذا فحسب، إذ تشير المصادر إلى أن «الاستخبارات الأردنية كلّفت الشهر الماضي رئيس الحكومة السوري المنشّق رياض حجاب بتشكيل ميليشيا من العشائر في درعا وشمالي الأردن»، هدفها المعلن «السيطرة على الشريط الحدودي مع الأردن خوفاً من تمدد داعش»، بعد أن تابع حجاب في الفترة التي تلت سيطرة «داعش» على الموصل التنسيق مع عشائر عراقية. وبالفعل، بدأ العمل على تشكيل الميليشيا بإمكانيات مالية كبيرة وأسلحة وآليات متنوّعة، ويقودها المدعو محمد عوض ومساعده الملقّب بـ«أبو حاتم»، مقرّهما «دار البدوي» في بلدة الطيبة جنوبي شرقي درعا.
وفي السياق، زجّ الجيش الأردني في اليومين الماضيين بقطعات جديدة من قواته الخاصة على الحدود السورية والعراقية، بالتزامن مع وصول عدد من المستشارين العسكريين الأميركيين والفرنسيين. وتتخوّف مصادر أمنية في الجبهة السورية الجنوبية من أن تكون «الحركة الجديدة للقوات الأردنية تمهّد لشيء ما في الشرق السوري». وتقول المصادر إن «تحوّل الأردن إلى غطاء لدخول قوّات بريّة غربية إلى سوريا، قد يُغرق الأردن والمنطقة أكثر في فوضى الإرهاب الذي لن يوفّر الأردن في المستقبل». وتلمّح مصادر أخرى إلى أن «دعم إسرائيل والأردن لإرهابيي لواء شهداء اليرموك، لم يمنع قائده محمد البريدي من إدخال كميات من السلاح إلى مدينة معان».