اللاذقية | كما كل صباح تستيقظ اللاذقية على صوت ورائحة البارود الذي تخلفه مواكب الشهداء، لكن مواكب صباح أمس كانت الأكثر وجعاً. إنها مواكب تشييع الأطفال الثلاثة الذين كانوا ضحايا جنون الصواريخ التي تنهال على اللاذقية وضواحيها منذ ثلاثة أيام.
«يا ابني بلادك قلبك اعطيها وغير فكرك ما بيغنيها...»، تصدح أغنية وديع الصافي من كشك القهوة القريب من مدرسة الشهيد فخر الدين صقر في سقوبين على أطراف مدينة اللاذقية التي كانت في اليوم السابق مسرحاً للموت والرعب. أطفال مذعورون يصرخون مطالبين بأمهاتهم وآبائهم. كبار خائفون أيضاً يحاولون تهدئة الأولاد ونقلهم إلى مكان آمن. المسعفون ورجال الإطفاء والأمن يحاولون منع تجمهر الناس في مكان سقوط القذيفة خوفاً من قذائف جديدة قد تودي بحياة العشرات.
المدرسة نالت نصيبها من شهداء القذائف الصاروخية. ثلاثة أطفال أبرياء لا تتجاوز أعمارهم اثنتي عشرة سنة كانوا على مقاعد المدرسة يجيبون عن أسئلة الامتحان ليخرجوا معاً، ويقودهم قدر مشترك إلى بيت أحدهم. أرادوا اللعب قليلاً قبل الإعداد لامتحان اليوم الثاني.
هو البيت الذي اختارته القذيفة لتسقط أمامه وليدفع نزق الطفولة بطارق محمد سالم وزكي أسامة محمد وأحمد طلال شعبان للخروج إلى الشرفة لمشاهدة القذيفة فتصيبهم شظاياها.
كانوا يريدون حكاية يقصونها على رفاقهم في المدرسة. كيف كانوا أول من رأى مكان سقوط القذيفة... وكيف أنهم لم يخافوا، لكنهم هذه المرة كانوا هم أبطال القصة التي سيرويها رفاقهم في المدرسة.
«أنا عاجزة عن النظر في أعين طلابي، لا أعلم كيف أهدّئ من روعهم أو أطمئنهم بأنهم في أيد أمينة. كيف أشرح لهم لماذا قتل رفاقهم الصغار. الشهداء الثلاثة الذين سأدخل صفوفهم يومياً لأنظر إلى مقاعدهم الخاوية الشاهدة على الإجرام والوحشية. ولا أعلم كم سأصمد أمام كل هذا الألم، كان الله في عون الأمهات»، تروي معاونة المدير في المدرسة رحاب الجعبري.
وتتابع: «بدأنا يومنا بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهدائنا، وحاولنا ككادر تدريسي أن نشرح للأولاد أننا سنستمر لأننا مؤمنون، وسنقاوم بالعلم والفكر... سوريا فقدت على مرّ سنوات الحرب الكثير من أبنائها، لكنها صبرت وصمدت، فهي ولّادة وستعود أقوى».
أهالي سقوبين وطلاب المدرسة ومعلموها خرجوا جميعاً حاملين الأعلام ليودعوا شهداءهم، الأطفال الثلاثة وسميعة الشواف (26 سنة) التي استشهدت أيضاً في موقع سقوط القذيفة، ليدفنوا جميعاً في مقبرة سقوبين لا في مقبرة الشهداء، كما جرت العادة، بناءً على طلب الأهالي الذين «يريدون أبناءهم بالقرب منهم»، على حدّ تعبير أحد المشاركين في التشييع.