دمشق | خسر فادي مشروعه السياحي في إحدى ضواحي دمشق نتيجة الأحداث الدائرة في البلاد، ولم يتمكن «من الوقوف على قدميه ثانية» فقرر السفر وترك مشروعه بحثاً عن بداية جديدة. مشكلة الرجل لم تقتصر على الخسارة فقط بل وصلت لمرحلة الدين المتراكم نتيجة قرض حصل عليه من أحد المصارف العامة.
يوضح فادي بأنه أسّس مشروعه قبل الأحداث واستفاد من التسهيلات التي طرحتها وزارة السياحة، حينها، ومن القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع السياحية، وكان من المفترض تسديد القرض من أرباحه وعمله في المشروع، لكن الحال تغير منذ بدء الأحداث، وغاب السياح عن البلاد وتراكمت الخسائر على الجميع. وبرغم أن فادي يرغب في العودة إلى سوريا، لكنه غير قادر خوفاً من المحاكمة.
مشروع فادي هو واحد من 331 مشروعاً سياحياً مقترضا في سوريا يبلغ حجمها 30 مليار ليرة سورية، وعلى نحو أدق هو واحد من 236 مشروعا سياحيا تعثر نتيجة للأحداث، ويقدر إجمالي قروضهم بـ 22,5 مليار ليرة، وتراوح مشاكل أصحاب هذه القروض ما بين خسارة المنشأة بالمطلق أو أضرار جزئية أو بسبب وجودها على تماس مع مناطق ساخنة.
وزارة السياحة رفعت مقترحاً للجهات الوصائية لإصدار قرارات تتمثل بإيقاف الملاحقة القضائية وإيقاف الأحكام القضائية المبرمة بحق المدينين، والسماح للمصارف العامة بتملك حصة من المنشآت السياحية المتعثر تشغيلها، بما يعادل قيمة القرض الممنوح وفوائده. كذلك اقترحت الوزارة إعادة جدولة القروض الممنوحة للمنشآت السياحية المتعثرة، بما يراعي خصوصية المنشآت السياحية ووضع كل منها.
القروض التي يحصل عليها المستثمر هي بالأساس أموال لمودعين آخرين

ويؤكد وزير السياحة بشر يازجي أن الوزارة تسعى للوقوف إلى جانب المستثمر الذي بقي داخل البلد، وإلى مساندة أولئك الذين تضررت أعمالهم وما عادوا قادرين حتى على تسديد دفعة «حسن النية»، موضحاً أن المحاكم ستأخذ بعين الاعتبار كل حالة على حدة، وستسعى الوزارة لمنع بيع أي منشأة يتمتع صاحبها بالجدية، مشيراً إلى أن بعض القروض المتعثرة وصلت إلى ما قبل مرحلة البيع بالمزاد العلني، لكنّ أيا منها لم ينفذ بحقه البيع لمنحهم فرصة جديدة.
ويرى اليازجي، في حديثه لـ«الأخبار»، أنّ المنشآت المدمرة بالكامل معروفة وهي محدودة، وتلك التي دمرت جزئياً «ما زالت قابلة للحياة ويمكن الانتظار على أصحابها، وخاصة أن لجنة إعادة الاعمار عوضت العديد من المنشآت السياحية، ووصل التعويض لبعضها إلى عشرة ملايين ليرة سورية»، وهو رقم قد يكون منصفا لبعضهم، ومجحفا لآخرين.
وعن التعاون مع المصارف بهذا الشأن، أكد أن التعاون قائم لاستكمال قاعدة البيانات للمنشآت السياحية وتقديم الحلول المناسبة لكل منها لحل مشاكل التعثر المصرفي.
وبخصوص المستثمرين المقترضين، الذين سافروا إلى خارج البلاد، أوضح اليازجي أنه يعود للمصرف تقدير الإجراءات الواجبة بحقهم، مع التأكيد على أن هناك الكثير من المستثمرين الوطنيين الذين اضطرتهم الظروف إلى مغادرة البلاد، وهم ينتظرون الفرصة المناسبة للعودة.
برغم حديث الوزارة عن مساندة المقترضين المتعثرين، ونكباتهم التي عانوها، لكن يبقى لهذه الأموال أصحابها من الناس العاديين، الذين أودعوها في المصارف بغية الحصول على فوائد، لا للتبرع بها للمستثمرين المتعثرين.
ويوضح اليازجي: «نحن نوازي بين مصلحة أصحاب المنشآت والمصارف، ونسعى للتوزان من خلال المشاركة أو منح قروض لإيفاء القروض، وهي حلول استثنائية لأننا في مرحلة حرب، ويجب أن نقدر أنها متضررة ومتعثرة».
فيما يوضح الخبير الاقتصادي، عابد فضلية، أنّ القروض التي يحصل عليها المستثمر هي بالأساس أموال خاصة لمودعين آخرين، لا أموال حكومية، ولا أموال الدولة، وذلك طبعاً باستثناء رأسمال المصرف العام. وبالتالي هذه الأموال مستحقة السداد والرد ومتوجبة، وهي مهمة من أجل استمرارية عمل المصرف. ويرى فضلية أنّه يجب تصنيف أصحاب القروض المتعثرة لاثنين: المتعثرون قبل الأزمة، وآخرون تعثروا خلالها، كما يجب التمييز بين من لحق الضرر الكبير بمنشآته ومن يتهرب ولا ينوي السداد أصلاً، دون أن ينكر الأخطاء التي تتحملها المصارف أيضاً، فبعضها يعاني ضعف المتابعة أو الفساد.
ويرفض الخبير الاقتصادي الحجج التي يسوقها أصحاب المنشآت المتعلقة بأسعار الصرف، ويرى أنها ليست مبرارت كافية لعدم السداد، موضحاً أن كافة المراسيم والقوانين التي صدرت أخيراً والمتعلقة بجدولة الديون فًُهمت على نحو خاطئ، وكل مصرف قدّرها على نحو مختلف.
اليوم يفكّر البعض في العودة إلى البلاد ومتابعة نشاطه الاستثماري، وخاصة أنّ أمد الأزمة طال، ولكن ربما مهما نشطت السياحة الداخلية لن تكون قادرة على تأمين المليارات المقترضة أو الخسائر المسجلة.