الوضع المتغير في الساحة السورية يضغط على تل ابيب في اكثر من اتجاه، مقلّصاً خياراتها وقدرتها على تحقيق مصالحها بالقوة العسكرية. آلية التنسيق مع الجيش الروسي لا تسلك طريقها كما تريد وترغب تل ابيب، في موازاة حضور ايراني عسكري تحذر من انه في تنام مستمر، دفعها امس الى التحذير من خطورته، وخاصة إنْ تحوّل الى حضور عسكري كبير ومؤثر، من شأنه ان يتسبب بمواجهة برية مباشرة، مع الجيش الاسرائيلي.
تحذير تل ابيب صدر امس عن وزير الطاقة، يوفال شتانتس، المقرب من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والامنية. شتاينتس وفي مقابلة خاصة مع الاذاعة العسكرية امس، اشار الى ان ما يحصل ويتكوّن في سوريا هو مدعاة قلق كبير في إسرائيل، و«التطور الاكثر اشكالية من ناحيتنا، والاكثر صعوبة وخطورة، هو وجود قوات من الجيش الإيراني على حدودنا الشمالية، اي جبهة برية مباشرة مع ايران».
وكشف ان التدخل العسكري الإيراني دفع إسرائيل الى الاتصال بالقوى العالمية، وفي المقدمة الولايات المتحدة وايضا روسيا وباقي الدول الكبرى، لافتاً الى ضرورة الحرص على ان يبقى الجيش الايراني في إيران في اي خطط لحل الوضع في سوريا، وشدد على انه «يجب ان نرى فرقا عسكرية ايرانية كبيرة ومهمة في الساحة السورية».

كلام بوتين، يؤكد الشكوك حول نجاح زيارة نتنياهو

وفيما بدا ان شتاينتس عبّر ضمنياً عن تسليم إسرائيلي بالحضور العسكري الإيراني كما يتردد في تل أبيب وغيرها حول احجامه المحدودة الى الان، الا انه حذر من تنامي هذا الوجود، من الّا يتحول الى قوة كبيرة ومؤثرة، من شأنها أن تبقى في سوريا الى ما بعد إيجاد الحلول للحرب السورية، في حال التوصل اليها دولياً.
وضمن السياق التحذيري نفسه، لفت شتاينتس الى ضرورة ان يدرك الجميع ان محاربة الارهاب، الذي وصفه بالوحشي والمقلق، يجب ان تجري في موازاة محاربة الارهاب الايراني، او ارهاب منظماتي شيعي، كما هو حال حزب الله في لبنان وسوريا.
مع ذلك، عاد شتاينتس ليؤكد ان كلامه لا يعني تغييراً في الموقف الاسرائيلي بشأن الوضع في سوريا، وقال إن اسرائيل اتخذت في الماضي وما زالت، موقفاً رسمياً واضحاً وهو موقف ذكي وفطن، بانها لا نتدخل في الحرب الدائرة في سوريا، ولا في شكل النظام المقبل، ولا في من يجب ان يبقى او ان يرحل، في اشارة منه الى الرئيس السوري بشار الاسد.

واشار شتاينتس ايضا الى ان كلمة نتنياهو من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة، المقرر القاؤها يوم الخميس المقبل، ستركز على القضية النووية الإيرانية وعلى «تفكك» سوريا، وسيحذر نتنياهو فيها من سيطرة مختلف انواع الارهاب على هذا البلد، وتحديداً الارهاب المتطرف، مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وايضاً من الارهاب مثل حزب الله، وبحسب تعبيره «لا سمح الله، من سيطرة الايرانيين على نحو مباشر».
الى ذلك، تبيّن أنّ الشكوك التي أثارها الاعلام العبري حول نتائج زيارة نتنياهو الى موسكو الاسبوع الماضي، كانت في محلها، وأن آلية التنسيق التي اعلن عنها اسرائيلياً، كانت مستعجلة جداً، وعبّرت عن مصلحة «علاقات عامة» وجرعة اطمئنان للجمهور الإسرائيلي، أكثر من كونها حقيقة منجزة مع الجانب الروسي.

بوتين مجدداً

أمس عادت الشكوك تتسرب من جديد الى الاعلام العبري، بعد اعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن قلقه من استهداف إسرائيل لمواقع تابعة للجيش السوري، بالقرب من الحدود في الجولان الاحد الماضي. ورغم تأكيده على «ضرورة احترام المصالح الاسرائيلية» المتعلقة بسوريا، الا انه اعرب في موازاة ذلك عن قلق روسيا جراء القصف الاسرائيلي على مواقع سورية في الجولان.
ولفت امس تصدّر كلام بوتين الاعلام العبري، لكن من دون تعليقات، رغم حساسيته ودلالاته، خاصة ما يتعلق بالتطرق الروسي الاول في مستواه عن الية التنسيق مع اسرائيل حول المجال الجوي في سوريا، اذ قال بوتين إن التنسيق بين روسيا وإسرائيل في موضوع التصدي للإرهاب يقوم على مستوى القادة العسكريين، وما من ضرورة لإقامة هيئة ثنائية مشتركة.
واشارت امس اكثر من وسيلة اعلامية عبرية، الى ان كلام بوتين، يؤكد الشكوك حول نجاح زيارة نتنياهو الى موسكو، وانها لم تكن قادرة على تغيير السياسة الروسية في سوريا وفي الشرق الاوسط بشكل عام، وبحسب صحيفة «معاريف»: «لا يوجد تنسيق الروس كما اعلن نتنياهو، وجل ما في الامر هو تفاهم ما على ضرورة الحوار الثنائي في محاولة للتوصل الى تنسيق بين الجانبين، اثبت الماضي انه يتلاشى سريعا خلال وقت قصير جداً».
وكشفت امس الصحيفة ما من شأنه الاشارة الى مستوى الحذر الاسرائيلي الذي بات حاكماً للقرارات في تل ابيب، في اعقاب التدخل العسكري الروسي في سوريا، اذ اشارت الصحيفة الى ان الضربة الصاروخية لموقع تابع للجيش السوري في منطقة القنيطرة على الحدود، الاحد الماضي، جاء بعد دراسة ومداولات جرت بين رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير امنه موشيه يعلون، وبالتشاور مع رئيس الاركان غادي ايزنكوت اضافة الى قادة المنطقة الشمالي في الجيش الاسرائيلي. وان الضربة كانت مقصودة في حجمها المحدود، كي لا تفهم خطأ من قبل الروس.
ونقلت الصحيفة عن ضباط رفيعي المستوى في الجيش الاسرائيلي، قولهم انه تقرر ايضاً ان يتحرك سلاح الجو في المنطقة الشمالية، والاقتصار على الاستهداف الصاروخي للمواقع السورية، الامر الذي كان من شأنه ان يتسبب باحتكاك مع الروس، وهو ما يشير بحسب الصحيفة، الى «الفهم الاسرائيلي بان وجود الجيش الروسي في سوريا يقيد حرية عمل اسرائيل، خاصة اذا حصل رد فعل اسرائيلي قاس، من شأنه ان يزعج الروس ولا يستسيغونه».