في المقعد الخلفي للسيارة، راحت أنوار الشوارع تضيء على عنوان الكتاب ثم تختفي، فيختفي معها. كنت أحمله بين يديّ، كما تحمل فتاة لعبة باربي. افتحه، أقلب صفحاته، أقرأ منه أبياتاً من الشعر موشحة بضوء الطريق ولا أفهم منها شيئاً لتقطعها في الضوء ولصعوبة قاموسها. أقفل دفتيّ الكتاب وأعود إلى العنوان. أراقبه وهو يضيء ويختفي وحروفه تتلألأ في العتمة. عثرت على الكتاب في مكتبة خالي خلال زيارتنا لبيت جدي في ضاحية بيروت الجنوبية. وهناك، دسسته في حقيبة كتبي التي كنت مضطراً إلى حملها إلى بيروت، نزولاً عند إلحاح أمي على أن أدرس حتى خلال الزيارات وفي العطل. في السيارة أخرجت الكتاب ورحت أهجّئ حروف عنوانه «النصوص المحرّمة».
في مجتمع مليء بالمحرمات، بدا لي العنوان آسراً، مع أنني لم أكن قد سمعت سابقاً بصاحب الكتاب، أبو نواس.
رحت أقلّب صفحاته وأقرأ بعض الأبيات بصوت عال على مسامع أمي وأبي وأخويّ الصغيرين اللذين كانا يجلسان إلى جانبي في الخلف. بعض ما كنت أقرأه كان مفهوماً بالنسبة لي، وبعضه الآخر غير مفهوم البتة. ومن بين الكلمات التي رحت اقرأها، وجدت عبارات «بذيئة» لم أتوقع يوماً أن اقرأها في كتاب، فهي، كما تقول أمي، لغة الشارع التي كانت تنبهني من عدم استخدامها وعدم مصادقة من يستخدمونها. ولا أعرف، وأنا أكتب هذه الكلمات، إن كانت الصحيفة قادرة في ظل نظام المحرمات الذي نعيش فيه أن تحتمل نقلها «الكلمات البذيئة» من الكتاب إلى صفحاتها. فالنصوص المحرمة لا تزال محرمة. وهي نصوص قرأتها قبل أكثر من ستة عشر عاماً، حين كان عمري أقل من أربع عشرة سنة.
راحت الكلمات البذيئة ـ المحرّمة تخرج من لساني غريبة ومربكة، فيما بدأت ـ وأنا اقرأ ـ أشعر بالمأزق الذي وضعت نفسي فيه، مع نظرات أمي وأبي المستهجنة وجوّ التعجب الذي ساد في السيارة، حتى أحسست بالدهشة ملتصقة بالزجاج، كما يلتصق الضباب به في الشتاء. لم استطع إكمال القراءة المتقطعة وشعرت، مربكاً، أن عليّ التوقف فوراً عن ارتكاب هذه «النصوص المحرمة» قراءةً، وأن عليّ، كما يفعل المتلبّسون بفعل شائن، أن أخبئ أداة الجريمة وأن أضع رأسي في الأرض خجلاً.
مللت من النظر إلى الأرض والعرق بتصبب من تحت إبطيّ بارداً. رفعت رأسي ورحت أراقب الأضواء وهي تمر سريعة على الزجاج. ثم رحت أفكر في صاحب الكتاب. من يكون؟ وما هي هذه النصوص المحرمة التي أوقعتني في هذا الوضع المحرج مع أهلي؟ كيف تجرأ على كتابتها؟ وهل هو كاتب حقاً؟ أم من أولاد الشوارع؟
وصلنا إلى البيت والكتاب في الحقيبة مدسوس، كسكين عليه دم طازج، بين كتب ناصعة ومملة. على الغالب، كان كالذئب الأسود بين نعاج «التربية» و»التاريخ» و»الرياضيات» و»الكيمياء». وقبل أن يطلع النهار، اختفى الكتاب ـ السكين من الحقيبة، ولم أعثر عليه منذ ذلك الحين. لكنني بدأت منذ تلك اللحظة، بحثاً مضنياً عن صاحب الكتاب المدعو أبو نواس، كاسر المحرمات والمتجرئ على التلفظ، شعراً، بأكثر التعابير بذاءة و»أدباً»!
عزمت على البحث عن كتب للرجل. ولحسن الصدف والحظ، وجدت «الأعمال الكاملة» له على إحدى بسطات الكتب في سوق الاثنين في النبطية. كان قديماً بعض الشيء ويقع في مجلد كبير بغلاف أحمر، وكان سعره يضاهي سعر أربعة كتب بسبب حجمه. وكان البائع يسعر الكتب بأحجامها وأوزانها، مع أنني لاحقاً تيقنت من أن بعض المجلدات الثقيلة والمليئة بالأوراق الفاخرة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، فيما بعض الكتب، وإن لم تزد صفحاتها عن المئة، تزن أطناناً من الذهب.
حملت الكتاب سريعاً إلى البيت وحرصت على أن أخبئه، كما يفعل مراهق بفيلم بورنو. أقفلت باب غرفتي وأخرجت أبا نواس من الحقيبة ووضعته أمامي على السرير ورحت أقلب الصفحات بحثاً عن كلمات بذيئة.
خاب أملي، إذ لم أعثر في «الأعمال الكاملة» على أية كلمة بذيئة، ولا أي بيت شعري مما قرأته في «النصوص المحرمة». بدا الأمر غريباً، إذ كيف يعقل أن يكون ما بين يدي فعلاً أعمال كاملة لأبي نواس، ولا أعثر بينها على النصوص المحرمة التي تعود بوضوح، بحسب الكتاب الذي اخفاه والديّ، إلى أبي نواس؟
بدت المسألة أشبه بأحجية ضاعفت خيبة الأمل لدي، إذ يحتمل مثلاً، أن لا تكون «النصوص المحرمة» لأبي نواس وأن يكون من نشرها قد نسبها إليه زوراً وجمعها في كتاب. ولحلّ الأحجية، كان عليّ أن أتعرف جيداً إلى أبي نواس في «الأعمال الكاملة».
رحت أقرأ أبا نواس في ليال طويلة، وبجهد صرت أفك رموز اللغة التي بدت عصية على الفهم في البداية، لفقر في حقلي اللغوي، ثم وباستعانة بالقاموس، رحت أقرأ وأفهم، وأتلذذ بقصائده عن الخمرة، كما لو أنني احتسيها معه. وصرت أربط بين المحرمات والخمرة، إذ كانت الأخيرة ـ وما تزال ـ من أشدّ المحرمات في مجتمع كانت حواجز ميليشياته تفرغ زجاجات الخمر على رؤوس من تضبطه متلبساً وهو ينقلها في سيارته، وتفجر محال من يبيعها. وكان أبو نواس الذي عاش قبلنا بمئات السنين، يكتب مادحاً الخمرة، ومصوباً سهمها إلى قلب المجتمع «ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر/ ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر». كان قادراً، في زمن يبعد منا في التاريخ الإسلامي مئات السنين، أن يكتب كلاماً كهذا. جريئاً. صاخباً ويصيب في العمق.
وأبعد، بدا أبو نواس لي أكثر جرأة من «نصوصه المحرمة» في قصيدته التي مطلعها «اسقني واسق يوسفا مزة الطعم قرقفا...»، والتي تصل إلى بيت يخلط ما بين الخمرة والقرآن. ما بين المحرمات والنصّ الحرام، فيقول: «وضع الزق جانباً ومع الزق مصحفا/ خير هذا بشرّ ذا فإذا الله قد عفا».
علمني أبو نواس أن الخمرة جُعلت كالشعر، لتكون على مستوى من يشربها. فالخمر، على ما يقول في إحدى قصائده، «قد يشربها معشر ليسوا إذا عدوا بأكفائها»!
بعد سنة ربما أو أكثر، لا اتذكر تماماً، حضر أبو نواس في كتاب اللغة العربية، في قصيدة طاولها مقص الرقيب، فمزقها وبعثر معانيها وخلفياتها. كانت القصيدة الأشهر لأبي نواس، والتي كان مطلعها «دع عنك لومي فإن اللوم إغراء/ وداوني بالتي كانت هي الداء». وهي قصيدة، في كليتها، تدور في عالم الخمر والمجون والمثلية الجنسية وحاول الأستاذ أن يدرسنا القصيدة كما لو أنها تحكي عن «الزهورات»، فعدت إلى «الأعمال الكاملة» وأخرجت النص الكامل للقصيدة لأقرأ فيه ما حذفه الرقيب «من كف ذات حرّ في زيّ ذي ذكر/ لها محبان لوطيّ وزنّاء». ولا ألوم الرقيب اليوم، إذ أضحك، وأنا أفكر كيف كان أستاذ اللغة العربية المتدين ليشرح لنا هذا البيت الشعري بعد شرحه المطول عن فوائد الزهورات؟ تلك التي قال فيها «مولانا» أبو نواس «صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها/ إن مسّها حجر مسته سراء»!




لا يشرب الروس الفودكا كما يشربها غيرهم، إذ إن لديهم طقوساً خاصة وعادات، ومنها عادة الإكثار من الطعام المرافق للكأس. وتسمى هذه العادة «زاكوفسكي»، حيث توضع إلى جانب الفودكا أنواع كثيرة من الطعام منها الكافيار والسمك المدخن والخبز الأسود والمخللات. وثمة ما يميزهم أيضاً هو تفننهم في إضافة النكهات للفودكا، منها نكهة الفلفل التي يطلقون عليها لقب «بيرتسوفكا» (ابو الفلفل) أو نكهة الفلفل الحار التي يطلق عليها «غوريلكا» (أبو النار).

يعتبر وجود فارغة من الفودكا على الطاولة الروسية نذير شؤم وعلامة فقر، لذلك يعمد الروس عند الانتهاء من شرب محتوى الزجاجة إلى وضعها أرضاً. وهو تقليد قديم يواظبون عليه.

يستخدم الروس الفودكا ضمن «قائمة الأسلحة» لمحاربة الأعداء، من خلال مزجها مع البيرة، ويسمى هذا المزيج «يورش»، ويمكن أن يدخل الجنود في غيبوبة.

نشر أحد المواقع الإلكترونية خبراً مفاده أنّ الروس فرضوا عقوبات «هزلية» على الرئيس الأميركي باراك أوباما، تبدأ بحرمانه من الفودكا. ويأتي ذلك رداً على العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو بسبب أزمة القرم. وقد أطلق بعض مستخدمي موقع «تويتر» حملة تضامنية تحت شعار «عقوباتي»، قالوا فيها إنهم سيحرمون أوباما من كل شيء تشتهر به روسيا من الكافيار الأحمر إلى الفودكا!