عندما قرّرت جمانة صبح (35 سنة)، من بلدة كفردونين (بنت جبيل)، شراء بعض الكتب الثقافية، «للابتعاد من أجواء الفيسبوك والواتسآب»، على حدّ قولها، فوجئت بعدم وجود المكتبات المتخصصة في بيع هذا النوع من الكتب «المكتبات المدرسية المنتشرة في كل مكان، لا تباع فيها الكتب الثقافية والأدبية، ما يعني أن عادة المطالعة تراجعت الى حدودها الدنيا». كان عليها أن تقصد صيدا أو صور، وكلاهما بعيدتان جداً من مكان إقامتها.واذا استثنينا مركز المطالعة والتنشيط الثقافي في مدينة بنت جبيل، الذي لا تباع فيه الكتب بل تقدم على سبيل الاستعارة المجانية، فإن البحث عن الكتب في عشرات قرى وبلدات المنطقة في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون، أمر معقد وعديم الجدوى أحياناً. وتكمن المشكلة في أن هذا الواقع السيء لم يشكل حافزاً للأهالي لإيجاد البديل، كما لم يشجع التجار على العمل لسدّ الفراغ ذلك أنه «مشروع فاشل من أوله الى آخره» كما يقول التاجر حسن رمال (العديسة) الذي أشار الى أن «مشروع افتتاح المكتبات الثقافية لن يجلب الزبائن، فالأجيال الجديدة لا تهتم بالقراءة».

وهذا ما يؤكده علي زين الدين، صاحب محلّ لبيع الكتب المدرسية «تجارة الكتب غير المدرسية لا جدوى منها، إذ لا أحد يشتريها وقد حاولنا عرض بعضها. ولّى زمن الكتاب هنا، ولا أحد يشجّع على القراءة، فالجميع يجد في التلفزيون والكمبيوتر الوسيلة الأفضل للتسلية والحصول على المعلومات، حتى أن بعض رجال الدين هنا يعتمدون على الانترنت للحصول على معلوماتهم الدينية، ما يساهم في تراجع الثقافة والمستوى العلمي في المنطقة».
هاني سلامة، أستاذ في التعليم الثانوي في مرجعيون، يحاول جاهداً، بحسب قوله، حثّ طلاّبه على شراء الكتب وقراءتها، عن طريق زيادة طلبه للأبحاث المدرسية المتعلّقة بالموضوعات الأدبية والثقافية، لكن «وجود الانترنت، أبعد الطلاب من القراءة وشراء الكتب، حتى أن معظمهم ينسخون الأبحاث المطلوبة، أو يجمعون موضوعاتها من دون قراءة مضمونها، بالاستعانة بالانترنت».
يسعى اتحاد بلديات بنت جبيل الى تشجيع المطالعة والقراءة من خلال إنشاء «نادي المطالعة الأول» بالتعاون مع المكتبات العامة والمدارس الرسمية في بلدات الاتحاد، والذي يشمل «قراءة القصص، استضافة الحكواتي وكتّاب الأطفال، استمارة القارئ، محاضرات توعية، ورش رسم، أشغال يدوية، مسرحيات، ورش صناعة الدمى وألعاب تربوية وعرض أفلام».
في جميع القرى الحدودية توجد 4 مكتبات عامة فقط، ويبدو أن مركز المطالعة والتنشيط الثقافي في بنت جبيل، هو المكان الأكثر شهرة لاستقبال هواة القراءة والمطالعة، والرائد منذ عام 2001 في تنشيط الحركة الثقافية وتشجيع الطلاب على القراءة. وهو الذي أعلنته وزارة الثقافة «المكتبة المثالية في لبنان لعام 2012» بناء على معطيات عديدة منها «نسبة الإقبال على زيارة المكتبة التي بلغت 17924 زائراً، اضافة الى عدد الكتب المستعارة التي بلغت وقتها 4077 كتاباً».
توضح أمينة المركز ريما شرارة أن «عدد كتب المكتبة يزيد على 11000 كتاب، وتحظى المكتبة بدعم لافت من وزارة الثقافة وبلدية بنت جبيل، التي تؤمن لها المساعدات بشكل مستمر، إضافة الى مساعدات الأهالي المختلفة». وتشير إلى «عدد زوار المركز يزيد على 1300 زائر شهرياً». في المقابل، تلفت إلى أن «نسبة استعارة الكتب التي بلغت ذروتها عام 2007، تدنت بشكل لافت الى حدود النصف، بعد وصول خدمة الانترنت الى المنطقة». وترى شرارة أن «أسباب ارتفاع عدد زوّار المكتبة متنوّعة، أهمّها النشاطات الثقافية التي تقوم بها المكتبة بالتعاون مع لجنتها الإدارية والبلدية.
العدد الأكبر من روّاد المكتبة هم إما من الأطفال، الذين تؤمن لهم الألعاب والقصص المناسبة، ويشاركون في نشاطات المكتبة المختلفة، وإما من كبار السن المتقاعدين، الذين يفضلون قراءة الصحف. أما جيل الشباب، فيبدو أن زياراتهم تتعلق، في الغالب، باستخدام الانترنت والحصول على الأبحاث المدرسية والجامعية، التي بحسب المدرّس عقيل بعلبكي «طريقة لا تعبّر عن الحاجة الى المطالعة والتثقيف، بقدر ما هي أسلوب سهل للحصول على المعلومات». ويلفت الى أن «النشاطات الخاصة بقراءة القصص هي التي تشجع بعض الصغار على القراءة، لكن يجب على الأهل أن يبادروا الى تعويد أبنائهم على هذه العادة المفيدة، لا أن يتركوا ذلك لجهود أمينة المكتبة، التي تبذل جهوداً استثنائية في هذا المضمار».