دمشق | عند مدخل «غابة الفراديس»، تقف الممثلة السورية ميسون أبو أسعد. تلتقط صورة من أحد مواقع تصوير «أهل الشمس»، وتنشرها عبر حسابها على فايسبوك، معبرة عن المتعة التي تعيشها مع فريق العمل في كواليس الفيلم. فيلم بدأ المخرج باسل الخطيب بتصويره منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عن نص من تأليفه، وإنتاج «المؤسسة العامة للسينما». ويختتم الخطيب بهذا الشريط ثلاثيته السينمائية عن «المرأة السورية في ظل الحرب» («مريم»، و«الأم»، و«أهل الشمس»).
تنتهز أبو أسعد وقت الاستراحة القصير بين مشهدين، لتتلقط صوراً أخرى تكشف عن جمال طبيعة منطقة «وادي قنديل» (شمال اللاذقية)، وتغري باقي المشاركين في الفيلم للوقوف أمام كاميراتها، بينهم فنيّون.
تتمنى أبو أسعد في حديثها مع «الأخبار» لو كانت معها «كاميرا احترافية»، معتبرةً أنّ وجودها في هذا المكان نوع من «التعويض الجمالي» عن قبح ما نعيشه وسط الحرب، مضيفة: «لم أزر اللاذقية منذ ثلاث سنوات. هذه المدينة بريفها وببحرها وبجبلها العزيزة عليّ كثيراً، كنت أزورها مرّاتٍ عدة خلال عام واحد. وسررت كثيراً حينما علمت أن التصوير هنا. فالحرب حرمتنا من حقوق بسيطة جداً، كانت أساسية في حياتنا».
أمام كاميرا باسل الخطيب، تجسّد ميسون أبو أسعد شخصية «زينة» التي تعيش «حالةً رومانسيةً يطغى عليها الحزن»، وتعاني من آلام المرض، والفقدان. فحب حياتها «يوسف» (محمود نصر)، تنقلب حياته رأساً على عقب بعد فقدانه لأولاده، وزوجته في أحداث إرهابية، يقرّر بعدها الانتقام.
على لائحة الأبطال هناك رفيق سبيعي وكاريس بشّار
ومحمود نصر ومحمد حداقي وآخرون


ثمّة كاميرا أخرى في «أهل الشمس»، هي كاميرا المصوّرة الصحافية «ريم» (كاريس بشّار)، لتأخذ دور الرواي، والرابط بين الأحداث، ونرى عبرها، ومن وجهة نظرها، مصير هاتين الشخصيتين أي «زينة» و«يوسف»، من خلال مهمات تقوم بها في بعض المناطق الساخنة. لتجد «ريم» نفسها، وقد أصبحت جزءاً من مصيرهما، وشاهداً على التحوّلات التي تطرأ على حياتهما.
«زينة...»؛ تصرخ «ريم» بأعلى صوتها حين ترى صديقتها مستلقيةً بلا حراك على الضفّة الأخرى من النهر. النهر الذي تعبره راكضةً بأقصى ما أوتيت من قوّة، بينما تنساب الدماء على وجهها. يعلن باسل الخطيب رضاه عن المشهد. تتوجّه كاريس بشّار لأخذ استراحتها، وتحيي الصحافيين القلائل الموجودين، متمسكةً بقراراها القديم، بعدم التعاطي مع الإعلام، وتستعجل ميسون لتلقط لها صورة عند مدخل «غابة الفراديس». ثم تغادر موقع التصوير الذي يتهيأ في اليوم التالي لاستقبال الفنّان السوري الكبير رفيق سبيعي، العائد للوقوف أمام كاميرا السينما بعد غيابه عنها منذ 2002.
بعد انتهائنا من زيارة موقع التصوير، نلتقي في الفندق بـ«فنّان الشعب» الذي وصل من دمشق ليباشر تصوير دوره في الشريط. يقول سبيعي لـ«الأخبار» إنّه وافق على المشاركة «من دون قيد أو شرط»، بعدما قرأ السيناريو، معرباً عن ثقته بأنّ الخطيب الذي يتعامل معه للمرّة الأولى «سيقدم فيلماً ذا قيمة عالية».
يؤدي سبيعي دور «أبو يوسف» الذي «قضى حياته مرتبطاً بوطنه، ويشعر بالأسف، ويقف حائراً إزاء ما يجري، ويتمنى لو أنّ هذا كلّه لم يحصل، ويجتهد لمساعدة ابنه، وأهل بلده لكن الظروف تطحنه في النهاية، ليكون أحد الضحايا».
تلّح هبة سبيعي على أبيها، مذكّرة إيّاه بضرورة عدم كشف تفاصيل قصّة «أبو يوسف»، بينما تتحضر هي لخوض تجربتها التمثيلية الأولى بدور «أم محمد»، «المرأة الريفية الفقيرة التي تربّي ابناً ذا احتياجات خاصة».
بعد «وادي قنديل»، تتنقل كاميرا باسل الخطيب في مواقع عدّة مثل «برج إسلام» ذي الطبيعة الساحرة على مقربة من اللاذقية أيضاً، وأماكن أخرى ربما سيكون آخرها «الدريكيش» التابعة لمحافظة طرطوس.
تلك الأماكن في الساحل السوري، اختبر الخطيب سحرها قبل أعوام أثناء تصوير مسلسل «نداء المتوسط» (1999) الذي لم يكتب له الاكتمال. ثم أخذت هذه الأماكن لاحقاً نصيباً كبيراً من مفرداته البصرية الحاضرة في معظم أعماله.
هنا، يؤكد المخرج السوري لـ«الأخبار» أنّ «العين لا بد أن تشبع مما تشاهده على الشاشة»، ويستدرك قائلاً: «لكن اختيار مواقع التصوير ليس مبنياً بالضرورة على كونها جميلة من وجهة نظرنا كأناس عاديين، بل على أنّها تخدم الغرض الدرامي المطلوب. قد تبدو هذه الأماكن سرابية في بعض اللقطات، إلا أنّنا حين نراها في سياق الفيلم سنكتشف أنّها متجذرة في الواقع. في لحظات معينة، ومن خلال هذه الأحداث الغريبة التي تواجه الشخصيات، سيكتسب المكان شكلاً وبعداً ولوناً آخر، وهو بطل رئيسي في أفلامي الثلاثة (مريم) و(الأم) و(أهل الشمس)».
من المقرّر أن ينهي الخطيب تصوير «أهل الشمس» في منتصف كانوّن الأول (ديسمبر) الجاري، علماً بأنّه يضم على قائمة أبطاله أيضاً محمد حداقي وعلاء قاسم وجابر جوخدار وآخرين.