بالكاد، تتسع تلك القصاصة الصغيرة لهذه الصور. صور بيوت مكدّسة بعضها فوق بعض، على شاكلة بيوتات مخيم أقيم على عجل، وناس كثر وأشياء أخرى حشرتها روان الحمصي بلا أناقة. لم يكن مهماً، بالنسبة لتلك الفتاة، أن لم يفهم أحد محتويات لوحتها، وليس هذا المطلوب أصلاً، قالت. فالأهم بالنسبة إليها أن تخرج «كل شي هون». و»هون»، في تعبير طفلة لجأت من سوريا قبل عامين ونصف، هو القلب الذي يحتوي كل تلك الأشياء وأشياء أخرى لم تتسع لها القصاصة.
روان، التي كبرت عامين ونصف في غربتها، رسمت على القصاصة قريتها وناسها والأشياء التي لا نفهمها نحن، وذيلتها في الأسفل بعبارة بالكاد تلتقطها العين: عندما تختفي الطائرات تطير الحمامات. عبارة ستنبهك بأن من بين الأشياء غير المفهومة التي رسمتها، هناك طائرة كتلك التي كانت تعبر فوق بيوتهم كل حين.
رسمت على القصاصة
قريتها وناسها والأشياء التي لا نفهمها نحن


كانت هناك لوحة يتيمة بلا حرب:
علم الدولة البرازيلية. للوهلة الأولى، بدت نافرة بين الأخريات

في حصة الرسم التي كانت تقيمها وزارة الشؤون الاجتماعية للأطفال اللاجئين من سوريا، كانت روان واحدة من أصل 21 طفلاً، طلبت منهم المشرفة أن يرسموا ما يريدون. مع ذلك، لم تكن الوحيدة التي رسمت عن الحرب الدائرة في دارها، فمن بين 21 رسماً، كانت هناك لوحة يتيمة بلا حرب: علم الدولة البرازيلية. للوهلة الأولى، بدت نافرة بين الأخريات... لكن ليس إلى وقتٍ طويل، فعدنان جاموس، الهارب من موت طائش إلى لبنان، رسم علم البرازيل لأنه سئم «وجع الراس». لأنه لا يريد أن يرسم عمه «اللي مات بغيبتنا» وبيته «اللي راح بدرعا أول الأحداث» وأمه التي تعمل اليوم في بيوت حي فرحات على أطراف مخيم صبرا «لأن بيّ ضل هونيك».
لوحة عدنان «أقسى من اللوحات المتبقية»، تقول منى مرمل، الاخصائية النفسية. فعدنان، في علم النفس، لا يزال عالقاً في الحرب. لم يجرؤ على الخروج بعد. فبحسب مرمل «يتعافى الطفل من الحرب عندما يفرغ الصور من ذاكرته، لأن الرسم في نهاية المطاف هو عبارة عن عملية إسقاط». وتشير مرمل إلى أن «معطم الأطفال اللاجئين من سوريا يعانون من اضطراب نسميه اضطراب ما بعد الصدمة لأنهم عاشوا الحرب، وخصوصاً من عاش منهم رعب القصف أو من مات قريب له، فهؤلاء لا طاقة لهم على النسيان سريعاً لأنهم عانوا الحدث وعندما يرسمون يعيشون الأحداث بتفاصيلها وانفعالاتها كما كانت في حينها».
الحرب لا تشبه «الوقوف عند إشارة مرور، عندما نتخطاها تنتهي»، تتابع. الحرب طويلة، وتذكرها بشكل دائم «يولد أمراضاً نفسية تتحول في بعض الأحيان جسدية». ولهذا «بدأنا بعلاج الأطفال من خلال جلسات الاسترخاء وحثّهم على التخيل». تلك الجلسات التي تنتهي في غالب الأحيان بنوبات بكاء. أما القصص التي تبدأ «حلوة»، فغالباً ما تنتهي بموت قريب أو رصاصة طائشة أضلت الطريق إليهم... من فرط الزحام فقط.


غرفتي في ذاكرتي أوسع

«كنا سبعة أشقاء وكان بيتنا رحباً. كان فيه صالون كبير جداً ومضافة وكان لكل واحد منّا غرفة فيها سرير وخزانة فيها ثياب كثيرة وألعاب. عندما كنت هناك، كنت أرى غرفتي ضيقة. ربما لكثرة ما تحويه من أغراض. لكن، بعد لجوئنا، صارت في ذاكرتي أوسع، ربما لأننا نعيش اليوم محشورين في غرفة واحدة: 7 اشقاء وأب وأم وجدّة».
(منار خلف ـ الرقة)


أخذت الحرب أبي والصف الثامن

«منذ عامين، كنت في الصف السابع. أما اليوم، فقد بدأت عامي الثاني عاملاً لدى جارنا في تصليح السيارات. لم أعد أفكر بالدراسة. فقد نسيت تلك الأشياء التي صارت من التفاصيل المكماة لحياة طبيعية. نحن اليوم لاجئون ليس لدينا الوقت الكافي للتفكير بترف كهذا. فالحرب التي أخذت والدي معها، ساقت في طريقها أشياء كثيرة، أولها الصف الثامن».
(عبدالله أحمد ـ درعا)



أحلامنا الصغيرة دفنت قبلنا

«أشعر بأنني ما عدت طفلة. ربما، هي الأحلام الصغيرة التي دفنتها بعد اللجوء. في ما مضى، كنت أحلم بأن يشتري أبي سيارة كي لا تبللنا مياه الأمطار ونحن ذاهبون إلى المدرسة. أما اليوم، لم تعد السيارة حلمي. صرت أحلم بانفصال القامشلي، كما يفعل أكراد آخرون على التلفاز. تنبهت مثلاً إلى أنني أريد أن أتكلم بلغتي من دون أن يشتمني أحد».
(شيرين علي ـ القامشلي)


لم نكن نعرف أي حاجز سيقتلنا

«كنا في منزل جدّي في الشام، عندما قال لنا والدي بأنه علينا أن نهرب لأنهم قصفوا منزلنا. خرجنا بلا شيء... استغرقت رحلتنا إلى لبنان 10 ساعات، توقفنا خلالها على حواجز كثيرة. لم نكن نعرف أي حاجز قد نقتل أمامه. مع ذلك، نفدنا. لكني، لست فرحة، فقد نسيت هناك سالي، لعبتي التي أهداني إياها والدي عندما كنت صغيرة. ربما قتلت هي الأخرى».
(ريم عبد السلام القادري ـ حلب)


شهادات أطفال تعرّضوا للتحرّش



عادي... كل يوم بنسمع هيك


«دخلت ليلى وصديقاتها إلى «السوبر ماركت» لشراء بعض الحاجيات، وأثناء وجودهن هناك، سمعن بعض النسوة يتكلمن عن الفتيات السوريات بأنهن غير مؤدبات ويمكن للشاب أن يغريهنّ بأي شيء مقابل الخروج معهن. لم تردّ الفتاة وصديقاتها على التعليقات، ولكنهنّ انزعجن في سرّهنّ لأن الكلام جرحهن. وإن كنّ واثقات من أنهن فتيات محافظات».


سوريات ومنفتخر


«عندما أكون بمفردي ينتابني شعور تشعر به كل فتاة سورية: الخوف والتوتر. أخاف من السير بمفردي على طريق عام وأخاف من الأشخاص الذين لا يحترمون السوريين. ولكن، نحن نستطيع تجنب هذه المشاكل، فالفتاة السورية عليها ألا تخرج بمفردها ولا في أوقات متأخرة وأن تمشي بأدب واحترام».



بعض اللبنانيين محترمين


«سمعت المعلّم يتكلّم على الهاتف ويقول إننا نحن السوريين محترمون للغاية. عندما سمعت بذلك، فرحت كثيراً، فالمعلم محمد خليل يتكلم معنا بلطف وصدق كما يتكلم مع أولاده».




صمود فتاة سوريا


«كانت ليلى عائدة إلى المنزل عندما اعترض طريقها شاب قال لها: «اطلعي معي بالسيارة لتنظفي لي البيت وأعطيك الكثير من المال». وافقت الفتاة وذهبت معه ونظفت له المنزل، وعندما انتهت من العمل قالت له «أريد العودة”. فجأة، أمسك بيدها بقوة وهددها بالقتل إذا فكرت بالخروج. توسلته أن يتركها ولكنه رفض. كان في الغرفة كوب من الماء الساخن رمته به وضربته حتى سقط مغشياً عليه وهربت».


شو اسمك يا حلوة؟


«خرجت ليلى صباحاً إلى المدرسة. وفي منتصف الطريق، حاول شاب التحرش بها وبدأ يغريها بالكلام الجميل ويمدح نفسه. خُدعت الصغيرة به وقررت أن تذهب معه إلى مكان معين. لكنه، غشّها وأخذها إلى مكان لا يوجد فيه أحد وحاول الاعتداء عليها. بعد ذلك، هربت وعادت إلى البيت في وقت متأخر وهي تبكي».



لا تخرجي بلا «رفقة»


«الأم متوترة لا تدري كيف تخبر والد ابنتها بأنها تعرضت للتحرش على الطريق.
الأب لا يدري ماذا يفعل لكنه سرعان ما تفهم الأمور وإن بقي خائفاً على سمعتها.
الأخ كان غاضباً جداً يريد قتلها ويريد أن يعرف من هو الذي فعل ذلك بها.
النتيجة: لا تذهبي إلى أي مكان أو يخرج أخوك معك».


■ للاطلاع على الشهادات الكاملة انقر هنا