نراهم يقطنون أفخم المنازل ويقودون أحدث السيارات ويقضون عطلهم في أغلى المنتجعات، حيث الحياة الرغيدة والباذخة والهانئة، لكن كل هذا المشهد الحالم الذي يعيشه جلّ نجوم كرة القدم العالميين لم يعمِ أبصار كثيرين منهم عن واقع حال من يناقضونهم تماماً في الحياة، أولئك الكادحين والمعذبين في الأرض.
هنا، بالتحديد، روعة كرة القدم ومعدنها ورسالتها السامية من خلال الوجه الآخر للكثير من النجوم. ذاك الوجه الذي لم تبدّله الشهرة وتحجبه الأموال، ذاك الوجه الإنساني الذي يبلسم جراحات المتألمين، ويرسم الفرحة على وجوه المحتاجين.
المسألة هنا تتخطى حتماً ما يذهب إليه البعض من أن عدداً من النجوم يقدمون على «فعل الخير» من أجل كسب محبة الجماهير وعاطفتهم، أو بتعبير آخر لغايات «تسويقية»، بل إن ثمة تصرفات ومواقف وأفعالاً تعكس «القلب الكبير» والوجه الإنساني لنجوم اللعبة ومشاهيرها، علماً بأن النظرة السالفة أو السائدة في معتقد البعض، إذا صحّت، هي أنها تبقى في كل الأحوال أمراً إيجابياً، وإن فقد العمل الخيري هنا صورته الإنسانية الصرفة، لكن في الأغلب، فإن هذه النظرة تجاه بعض «الخيّرين» من النجوم غير صحيحة، وخصوصاً إذا ما علمنا بأن هؤلاء اللاعبين ليسوا من المصنفين بين خانة أثرياء العالم، بل بعيدون بأشواط عنها، ومن ثم فإن مسيرتهم في الملاعب ليست أبدية، بل بالحدّ الأقصى قد تبقى حتى منتصف الثلاثينيات من العمر، أي بمعنى آخر فإن «استثمارهم» لهذه الأفعال الخيّرة عبر زيادة شهرتهم وكسبهم محبة الجماهير - على ما يعتقده البعض - «قصير المدى»، أو بالأصح لا طائل منه، حيث إن النجم يبدو غير مضطر لأن يصرف أمواله ويهدر وقته على مثل هذه الأفعال كأن يزور مشفى أو دار عجزة أو يتبرع لإنشاء مدرسة هنا أو مستوصف هناك، إن لم يكن فعلاً يقصد غاية إنسانية بعينها. الحقيقة هي أن قيام النجوم بـ»فعل الخير» إنما ينطلق من حس إنساني أو من تجربة شخصية قاسية عاشها اللاعب قبل النجومية، وحتى إنها أصبحت «ثقافة» في عالم الكرة تتجلى بصورة أكثر وأوضح من رياضات أخرى.
المسألة إذاً هنا لا تتعلق فقط بمباريات ودية يعود ريعها للأعمال الخيرية كالتي اشتهر بتنظيمها «الأسطورتان» البرازيلي رونالدو والفرنسي زين الدين زيدان، وأخيراً النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، أو بتبرعات مالية، بل تتخطى ذلك إلى مواقف إنسانية غاية في الروعة والعِبر.

القلب الكبير

إذاً، ما الذي يدفع مثلاً نجماً كالإيطالي ماريو بالوتيللي الى أن يوقف سيارته في منتصف الطريق في أحد شوارع مدينة ميلانو ويترجل منها ليساعد امرأة مسنّة على المرور إلى الرصيف المقابل؟ بالتأكيد لولا «القلب الكبير» والحس الإنساني لهذا النجم، رغم اشتهاره بتصرفاته الطائشة، لما أقدم على هذا التصرف الذي لقي عليه شكر نجل العجوز الذي صودف أنه المخرج التلفزيوني الشهير روبرتو سنسي.
هذا الحس الإنساني أخبرنا عنه أيضاً البرتغالي جوزيه مورينيو، مدرب تشلسي الإنكليزي، الشهر الماضي، عندما لم يبال بأن مباراة فريقه أمام شراوسبوري تاون في كأس الرابطة ستنطلق بعد لحظات، فذهب مسرعاً لمقابلة فتى مصاب بورم في المخ في إحدى ردهات الملعب، حيث احتضنه والتقط معه الصور التذكارية.
وإذا كان موقف كل من بالوتيللي ومورينيو قد دام للحظات، فإن موقف مدرب رايو فاييكانو الإسباني ولاعبيه سيدوم مدى العمر. إذ قبل أيام قليلة، قام باكو خيميز ولاعبوه ببادرة إنسانية مميزة عندما قرروا مساعدة عجوز تبلغ 85 عاماً في مدينة مدريد شُردت في الشارع بعدما فقدت منزلها بسبب الديون المتراكمة على نجلها الذي رهن المنزل للحصول على قرض. هكذا، قرر خيميز ولاعبوه دفع أجرة منزل للعجوز وتجهيزه بالأثاث، وذلك حتى تقرر البلدية التكفّل بهذه المهمة.
ماذا عن البرتغالي كريستيانو رونالدو من كل هذا؟ «الدون» الذي يوصف بالشخص المتكبر، لا يتوانى دوماً عن إظهار وجه مناقض تماماً لهذه «التهمة»؛ وآخر محطاته اتصاله الهاتفي بأحد الأطفال الذين يعانون من مرض السرطان بعدما علم بأنه من عشاقه ليدعوه مع أسرته لحضور مباراة لريال مدريد. «سي آر 7» سبق له أن تكفّل بعلاج طفل آخر يعاني من المرض ذاته عام 2012. أما في مونديال 2014، فقد كشفت صحيفة «ذا دايلي مايل» الإنكليزية أن سر التسريحة التي ظهر بها «صاروخ ماديرا» حيث حفر شكلاً غريباً على رأسه هو للتضامن مع طفل يعاني من ندوب في المنطقة ذاتها بعدما خضع لعملية جراحية في المخ تبرّع بتكاليفها رونالدو أيضاً.
أما النجم الألماني مسعود أوزيل، فقد دخل قلوب البرازيليين رغم أنه تسبب بخسارة تاريخية لمنتخب بلادهم 1-7 في نصف نهائي مونديال 2014 عندما تبرع بمكافأته على التتويج باللقب العالمي لأحد المستشفيات البرازيلية لإجراء عمليات جراحية لـ 23 طفلاً يعانون من أمراض خطيرة ولا تملك أسرهم المال لإتمامها.
هذه عينة لمواقف إنسانية رائعة لنجوم كرة القدم. في الملعب، هم يدخلون القلوب بمهاراتهم، أما بتصرفاتهم هذه خارجه، فإنهم يحفرون عميقاً فيها.