«أبو غاندي» كان هناك، و«سلمينة» ايضاً ترك بصمته باللون الاحمر. ببساطة، يمكنك ان تذكر هذين الاسمين امام اي لاعب كرة قدم في لبنان، ليأتيك الجواب بأنك دخلت الى احدى غرف الملابس في ملعب بلدية برج حمود.لا يمكن اي لاعب ان ينسى هذين الاسمين، لا لأنهما يعودان الى لاعبَين شهيرين مثل بيليه ومارادونا، بل لانهما يستقبلان اللاعبين فور دخولهم الى غرفة الملابس، حيث تزيّنت الجدران المهترئة بهما. وهذان الاسمان يمكن ان يلهياك بعض الشيء عن المشهد الذي يعكس فعلاً سبب اعتبار لبنان بلداً من بلدان العالم الخامس.

في هذه الغرفة ترى الشوارع العامة الفقيرة، وجدرانها التي كتبت عليها كل العبارات المفهومة وغير المفهومة، والتي تزيد من وساختها. وترى ايضاً الدهشة على وجوه اللاعبين الاجانب، اذ حتى الافارقة منهم لم يروا مشهداً مماثلاً لشدة الوضع السيئ الذي يلف الملعب من غرفه الى مدرجاته ووصولاً الى ارضيته.
وملعب برج حمود الشهير ليس سوى عيّنة عن مصير سيئ عرفته الملاعب في الشطر الشرقي من بيروت، بحيث يبدو كأن هذه المنطقة خالية من الملاعب على اعتبار انه عملياً ووفق نشاط الاندية ليس هناك اي ملعبٍ جاهزٍ لاستضافة مبارياتها بطريقة لائقة وتوفير كل ما يلزم لها وللنقل التلفزيوني من انارة وكهرباء. لذا يمكن اعتبار انه بمجرّد عبورك جسر «الرينغ» ومروراً بالساحل كلّه ليس هناك اي ملعبٍ مؤهّل او يتمتع بمواصفات مقبولة، حتى تصل الى المرداشية حيث ملعب السلام زغرتا.

اختفاء الملاعب

صحيح ان هناك بعض الملاعب التي تنشط عليها بعض الاندية والاكاديميات في «الشرقية»، لكن هذه الملاعب تبقى غير قادرة على استضافة المباريات الرسمية، وتحديداً مباريات الدرجة الاولى. وظاهرة اختفاء الملاعب ليست بالجديدة في هذه المنطقة، فهي بدأت منذ اواخر السبعينيات عندما ازيل الملعب الاشهر في الاشرفية اي ملعب السلام، الذي شيّد في مكانه اليوم المجمع التجاري «ABC». وهذا الملعب كان قبلةً للاعبين حتى من خارج المنطقة، تماماً كما الملعب الذي كان موجوداً في قلب مدرسة الحكمة واختفى من الوجود.
ملعب زافاريان في برج حمود، الذي كان خزاناً لتقديم اللاعبين الارمن اختفى ايضاً، حيث مرّ فيه الجسر الذي يربط المنطقة المذكورة بالأشرفية. ومع انشاء ملعب بديل له على بعد شوارع قليلة، كان الفريق الارمني هومنتمن قد بدأ في الهبوط درجةً بعد اخرى، وبالتالي لم يعد «زافاريان الجديد» نفس المكان الذي اعتاد تفريخ المواهب مع فقدان كرة القدم لأهميتها هناك.
السبب الاول لانخفاض
ممارسة الكرة في «الشرقية» هو اختفاء الملاعب


وفي منطقة قريبة من برج حمود كان ملعب سن الفيل، الذي عُرف بملعب نادي نجمة الصحراء، لكن الاهم انه اعتُمد ملعباً للتدريب من قبل الفريق الارمني الآخر هومنمن لفترة طويلة، قبل ان يُشيَّد في ارضه مقرّاً حديثاً للبلدية، التي صحيح انها عوّضت بتشييد ملعبٍ آخر يملك فرصةً ليصبح احد الملاعب المعتمدة رسمياً، لكن وجود موقف كبير للسيارات لا يكفي للقيام بهذه الخطوة، بل يحتاج هذا الملعب الى ارضية مناسبة ومدرجات لاحتضان المشجعين.
وبين البوشرية وصربا وغيرها من المناطق، ملاعب بيعت اراضيها لتشييد المباني، او تحوّلت اشبه بالحقل الزراعي، او في أحسن الاحوال اصبحت مشروعاً تجارياً يحوي ملاعب «ميني فوتبول».

خراب مدينة الحكمة

الحكمة الذي تغنى يوماً بامتلاكه ملعباً ضمن مشروع «مدينة الحكمة الرياضية» في منطقة طبيعية خلابة في عين سعادة، بات خراباً. الفريق الاخضر العريق بدأ موسمه في الدرجة الثانية حيث ينافس بقوة للصعود الى الاولى، وهو يتدرّب على ملعب صغير (7 لاعبين وحارس) في الحازمية، قبل ان ينتقل اخيراً الى سن الفيل لاغلاق الملعب الاول في فصل الشتاء، حيث يتدرّب حالياً على نصف ملعب اي المساحة الصالحة فيه.
عام 1985، زار الرئيس الراحل للنادي هنري اسمر والمدرب السابق للحكمة اميل رستم المطران خليل ابي نادر، والاخير كان محبّاً للرياضة، فطلب تأمين مقرٍّ للنادي في المعهد التقني التابع للمدرسة، اضافةً الى ارضٍ لتشييد ملعب عليها، فوقع اختيار اسمر ورستم على ارضٍ تابعة للمطرانية في عين سعادة تكون تحت تصرف نادي كرة القدم في الحكمة طالما هو موجود. وبعد انطلاق الاعمال عام 1986 وخوض الحكمة اول حصة تدريبية على الملعب عام 1992، كان الحلم باستضافة مباريات الفريق في بطولة الدوري هناك، فتم الشروع بتشييد المدرجات، ثم توقف العمل مع تبدّل الجهة القيّمة في فترة لاحقة. ويعدّ انطوان شويري آخر الرؤساء الذين دفعوا اموالاً لتجهيز الملعب حيث قام بتمويل مشروع تجهيز غرف الملابس.

اما المأساة، فقد حلّت ابتداءً من عام 2007 حيث أُهمل الملعب من دون اي صيانة للعشب او حتى لأبوابه ليتحوّل بعدها الى اشبه بحقل لا يصلح للزراعة حتى حيث نمت فيه الاعشاب البرية، في موازاة رفض القيّمين قبل 4 اعوام لعرضٍ من مستثمرة ايطالية تدعى انطونيلا باكاتشو لانهاء العمل بمشروع المدينة الرياضية الحكموية شرط اخذها مقراً لاكاديمية كروية لمدة 20 عاماً، وتبقى ابوابها مفتوحة لفرق النادي.

هرم برج حمود وجونية

واذ تردد في فترةٍ ما عن توجهات لدى البعض لالغاء فريق كرة القدم في الحكمة طمعاً بأرض ملعبه، فان ملعبي برج حمود وجونية يتبعان لبلديتي المنطقتين المفترض ان تقوما بدورهما في صيانة الملعبين وتأهيلهما على نحو دوري.
ملعب بلدية برج حمود الذي احتضن كل الفرق والمنتخبات اللبنانية يوماً، تحوّل ثكنة عسكرية، لكن المشكلة في مرافقه حيث تشعر بأن السقف سيسقط على اولئك الجالسين في غرف تبديل الملابس. اما الحمامات، فحدّث ولا حرج لانها في وضعٍ يرثى له، فضلا عن الاوساخ التي تأكل المدرجات الشبيهة بالاقفاص، وكراسي المنصة حتى وغرف الصحافيين التي لا تصلح لاستخدامها مستودعاً. لكن ما يهم اكثر هي ارضية الملعب، حيث نقل عن عددٍ من الفرق انها تتوجس من اللعب هناك بالنظر الى سوء العشب ووجود حفرٍ تتسبّب باصابة اللاعبين.
وهذا الملعب «الذي هَرِم منذ اكثر من 10 اعوام، كان امام فرصة ركوب الموجة العصرية عبر مشروع
«FIFA Goal» لتعشيبه اصطناعياً، لكن المجلس البلدي رفض العرض، وهذا ما يوضحه رئيس البلدية أنترانيك مسرليان بقوله: «اراد اتحاد الكرة وقتذاك وضع الملعب تحت تصرفه، وهو ما لم نقبل به».
وكشف مسرليان، الذي يتعهّد شقيقه أشوت صيانة عشب الملعب، أن هناك فكرة لتعشيبه اصطناعياً في الصيف المقبل وفق مشروع قد تصل كلفته الى مليون دولار يقضي بتأهيل الملعب على نحو كامل، مضيفاً: «اما ابتعادنا عن الاهتمام بالملعب، فهو بسبب قلّة المباريات التي تقام عليه».


كلامٌ لا تحبذه اندية المنطقة بالتأكيد وهي الساعية للعب دائماً على ارضها، وخصوصاً الراسينغ الذي يُظلم باللعب خارج ارضه بسبب مقتضيات النقل التلفزيوني، فهو حتى لا يمكنه اعتماد ملعب جونية الذي لم يكن جاهزاً عشية الموسم الجديد، اضافةً الى ارتفاع سعر ايجاره بحيث قد يصل المبلغ مقابل الحصة التدريبية الى اكثر من 300 دولار.
هذا الملعب الهَرِم ايضاً كانت ارضه اشبه بالصحراء قبل اشهرٍ قليلة، اذ تجد فيه بلدية جونية دائماً المكان المناسب لاقامة مسرح مهرجاناتها، ما يقضي على عشبه، لكن مجلس الانماء والاعمار شرع اخيراً بتأهيل هذا الملعب عبر تأمين الانارة والمولدات الكهربائية والكراسي في المدرجات التي لطالما فاحت رائحة الرطوبة البشعة منها، اضافة الى انشاء مضمارٍ للركض. وكل هذا وفق قرارٍ يعود الى عام 1997 حيث رصد مجلس الوزراء عشية الدورة العربية مليارَي ليرة لانشاء مدرجٍ شرقي في الملعب، لكن بلدية جونية تقدّمت بطلبٍ لتأهيل ما تعده اولويات، واذ رفضت البلدية عام 2010 مشروع «FIFA Goal» ايضاً لاسباب قالت انها داخلية، فان مدير المجمع إفتر زوين يرى ان ملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي هو الاهم في المنطقة «لانه مفتوح لابنائها وللمدارس ولكل الراغبين في استخدامه، ومنها الاندية التي لا يفترض ان تتوجّس من امكان استهلاك الارضية من قبل الجميع لاننا نعمل على ابقائها في حالة جيدة».




الراسينغ على طريقة «البدو الرحل»

يبدو الراسينغ المظلوم الاكبر من مشكلة الملاعب في «الشرقية»، حيث بدا مثل «البدو الرحل» متنقلاً في الموسمين الاخيرين لخوض تمارينه بين قصقص وبرج حمود وجونية، لكن مشكلته الاكبر اليوم هي خسارته افضلية الارض والجمهور في مباريات عدة، وخصوصاً تلك المنقولة تلفزيونياً. ويشير رئيس النادي جورج فرح الى انه «ليس هناك اي ملعب صالح في منطقتنا. نحن نخسر جمهورنا عندما نلعب بعيداً من برج حمود، وتتأثر نتائجنا طبعاً». ويضيف: «فريقٌ بيروتي من الاشرفية يلعب في الجنوب وفي صيدا تحديداً. لا اجد الكلمات الصحيحة لتوصيف سوء الوضع».