قد يكون الإعلاميون الرياضيون في لبنان بحاجةٍ إلى إطارٍ يجمعهم أكثر من أي وقتٍ مضى. إطارٌ يحمي وجودهم المهني، ويمدّهم بحقوق مستحقة، ويعكس صورةً أوضح لمهنةٍ باتت «مهنة الذين لا مهنة لهم».لكن أي شكلٍ من أشكال الجمعيات أو الاتحادات يحتاجها الإعلاميون الرياضيون؟
سؤالٌ قد يفرز أكثر من خمسين إجابة مختلفة، إذ لكلٍّ نظرته وارتباطاته وحساباته، وهي أمور لا تصبّ إطلاقاً في بحر المصلحة العامة، بل تعزّز نزعة المصلحة الخاصة المطلوب إسقاطها في فترةٍ حساسة حتى لا يخلق المولود الجديد مشوّهاً من رحم العملية الصعبة المتوقعة.

الإعلاميون الرياضيون بحاجةٍ إلى كيان يحميهم أولاً. حماية مطلوبة من الاضطهاد بكافة أشكاله، وحماية مطلوبة من الدخلاء على المهنة والمسيئين إليها. وهذا الأمر لن يحصل إلا عبر التخلي عن عددٍ من الالتزامات التي يراها قسمٌ كبير من الجيل الشاب غير حضارية، لأنها ترتبط أساساً بما اعتاد الإعلاميون أنفسهم انتقاده في محطاتٍ عدة. وهنا الحديث عن المحاصصة الطائفية والسياسية دونها الرياضية التي تستند إلى الكفاءة المفترض أن تعود بالفائدة العامة.
بات جليّاً أن هناك عملية شدّ حبال بين أطرافٍ مختلفة، أولها يتشبث بنزعةٍ طائفية، وهي مسألة غير مقبولة لدى قسمٍ لا بأس به من أصحاب الفكر المتشدد تجاه العلمانية والديمقراطية، وخصوصاً أننا اليوم أمام مشروع رياضي يحتّم كسر حواجز تصنيف الأشخاص بحسب ما كُتب على هويتهم يوم ولادتهم، أو وفق ما ساروا خلفه من خَيارٍ سياسي لا مكان له في عالم الرياضة.
الأخطر من هؤلاء هم من يعملون تحت الطاولة بهدف غمس الكيان المرتقب للإعلاميين الرياضيين في مستنقعات السياسة وساستها غير المرغوب فيهم ضمن إطارنا، إذ إن هذا الإطار، وإذا خُلق وفق معايير غير تقليدية لا ترتكز على الصبغة الطائفية – السياسية، يمكن أن يبدّل من صورة الرياضة وانتخابات اتحاداتها ولو بشكلٍ نسبي في المستقبل القريب.
من المخيّب ألّا تكون العلمانية المعيار الأول والأخير لاختيار الأشخاص الأكثر كفاءة لقيادة مشروع الإعلاميين الرياضيين دون أي وصاية طائفية وسياسية. ومن المخيّب أن يكون كيان الإعلاميين الرياضيين نسخة عن المؤسسات المهترئة في البلاد، والتي أصبحت في هذه الحالة بعدما نخرتها سوسة المحاصصة وما سمّي التوازن.
إذاً، لا تهم التسمية، لا يهم إن كانت جمعية المحررين الرياضيين أو جمعية الإعلاميين الرياضيين أو غيرها، إذ ما يهم هو اختيار الإعلاميين لممثليهم بحسب ما يملكون من فكرٍ تطويري، وبغض النظر عمّا إذا كان هؤلاء من لونٍ مذهبي واحد.
في زيارتي للعاصمة المصرية القاهرة الأسبوع الماضي، لم أتمكن من إحصاء عدد النقابات المنتشرة من طريق المطار مروراً بمصر الجديدة ووصولاً إلى كورنيش النيل، لكن كان بالإمكان لمس مدى تقدّم إعلاميين ربما اعتبرهم قسم كبير من زملائهم اللبنانيين أقل مستوى منهم على صعيد الثقافة الرياضية والتحريرية. لكن هناك في بلاد «الفراعنة» سبقنا الزملاء بأشواط لتطوير كادرهم وتعزيزه بما يرفع من مستوى المهنة، والدليل إنشاء ما يسمّى الاتحاد المصري للثقافة الرياضية الذي لا يلغي دور أي نقابة خاصة بالمحررين أو ما شابه، بل يأتي لتعزيز مهنة منتشرة بقوة وتنمية قدرات الوافدين الجدد إليها.
أين نحن من كل هذا؟ وما زلنا ندور في حلقات المحاصصة الطائفية والسياسية، وكلام الليل الذي يمحوه النهار، وكلام الطاولات المختلف عن كلام الاتصالات.
دعوة اليوم إلى تشكيل لائحة رياضية - علمانية في الانتخابات المرتقبة، تقلب الطاولة على كل التقاليد القديمة المتبعة في لبنان، وتوفد رسالة إلى الجميع بأن ديمقراطية الرياضة تجسد السلوك الرياضي الحرّ المفقود في هذه البلاد.