كان العلم اللبناني أزرق فأبيض فأحمر، أقساماً عموديّة متساوية، تمثل الأرزة في القسم الأبيض منه (بحسب دستور الانتداب الفرنسي عام 1926). ثم أصبح أحمر فأبيض فأحمر، أقساماً أفقية، تتوسط الأرزة القسم الأبيض بلون أخضر، أما القسم الأبيض فيساوي حجمه القسمين الأحمرين معاً، وأما الأرزة فهي في الوسط (بحسب نص المادة الخامسة التي أضيفت إلى دستور الاستقلال في 7 كانون الأول عام 1943). ويروي الرئيس عادل عسيران، في مقابلة معه، أنه كان قد اتفق على شكل العلم هذا، مع بيار الجميّل الأب «قبل الثورة يمكن بـ 20 يوماً أو شهر، وقد بقي في منزل الجميّل ولم يبرز إلا يوم إعلان الثورة».
والمعروف أن هذا العلم صمّم من القماش، على أيدي كلّ من الشيخة جنفياف الجميّل والسيدة تميمي مردم بك، ثم حمله شبّان إلى بشامون، حيث تتحصّن «الحكومة الشرعية» من الملاحقة الفرنسية. هناك تناوله حبيب أبو شهلا وقدّمه إلى مجيد إرسلان، بصفة الأخير وزيراً للدفاع الوطني، وقال له: «إني بالنيابة عن فخامة رئيس الجمهورية (بشارة الخوري) ورئيس الحكومة (رياض الصلح) وجميع المعتقلين في راشيا والسجون، أضع في عهدتك علم لبنان الجديد الخفّاق، وأطلب منك الدفاع عنه وحمايته». ركع «المير» إرسلان وقبّل العلم، وقال: «أقسم بأن أذود عنه بدمي وأبذل في سبيله حياتي». بعدها رفعوا العلم فوق سرايا بشامون، أو ما عرف لاحقاً ببيت الاستقلال، وذلك قبل إعلان الاستقلال رسمياً بثلاثة أيام عام 1943.
ثمّة صورة تذكارية، موجودة اليوم في بيت الاستقلال في بشامون، يظهر فيها وقوفاً كل من: صبري حمادة، حبيب أبو شهلا وخليل تقي الدين ببدلات رسمية وربطات عنق، وبينهم مجيد إرسلان على ركبته يقبّل العلم، مرتدياً زيّه العربي التقليدي وعلى وسطه مسدس معلق بحزام خصره. ثمة من يخلط بين هذا العلم، المصنوع من القماش، والعلم الذي اشتهرت صورته لاحقاً وعليه تواقيع «رجال الاستقلال». الأول موجود الآن في بيت الاستقلال في بشامون، أما الثاني، فهو كان عبارة عن قصاصة ورق جرى رسم العلم عليها، على عجل، وذلك في جلسة مجلس النواب التي عقدها صبري حمادة تحدياً لقرار المنع الفرنسي. خرج الموقعون على العلم المرسوم من البرلمان، بقوة السلاح، بعدما وصلت القوة الفرنسية إليهم، ليتوجهوا إلى منزل صائب سلام في منطقة المصيطبة ومعهم «علم لبنان الحر المستقل». حصل ذلك في 11 تشرين الثاني ولكن من دون رفع العلم على سارية رسمياً.
يُذكر أن اللواء الراحل جميل لحود، والد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، اجتمع عام 1941 بفريق من الضباط اللبنانيين، بعيد انتهاء المعارك بين الديغوليين والفيشيين (الفرنسيين)، واقترح، وهو برتبة نقيب آنذاك، توقيع وثيقة نصّت على «عدم الخدمة إلا في ظلال العلم اللبناني». وفي عام 1943 (في أيام الاستقلال - قبيل الإفراج عن المعتقلين في قلعة راشيا) أصدرت قيادة قوات الانتداب الفرنسية أوامرها إلى جميل لحود قائد فوج القناصة الأول (كان يومها أصبح برتبة مقدم) بمهاجمة حكومة بشامون، فرفض الأمر معلناً انضمامه إلى الحكومة، وعمد الى رفع العلم اللبناني في موقع فرقته العسكرية المتمركزة في عين الصحة ـ فالوغا، ولهذا يُعدّ «أوّل من رفع العلم اللبناني في وجه الفرنسي قبل إعلان الاستقلال».
(الأخبار)