أوصى محمود برجي بأن يدفن في مقبرة وليام سيفيل في العاصمة العاجية أبيدجان. جهّز قبراً له بين قبري زوجته ونجله. عندما مرضت زوجته قبل أعوام، نقلها إلى لبنان للعلاج. وعندما أخبره الأطباء بسوء حالها، أعادها إلى أبيدجان لتموت بين أهلها وتدفن حيث نشأت وتزوجت وأنجبت كسائر عائلتها. بعد ثلاثة أعوام، فقد نجله بحادث سير في أبيدجان. فكان مكانه بجانب قبر والدته. اختار برجي دفنهما في أبيدجان حيث يعيش ليتمكن من زيارتهما كلّما شاء وتنظيف القبرين والاعتناء بهما. وعلى طريقهما، اشترى قبره بينهما، موصياً نجله وابنته اللذين يقيمان معه بدفنه بينهما.
تجاور القبور الثلاثة قبوراً متنوعة دينياً وعرقياً. فوق تلة مشرفة على أبيدجان وأحزمة البؤس، تقع مقبرة وليام سيفيل. هنا تنهدم الحواجز العنصرية والطبقية والدينية.
جنباً إلى جنب، تصطف مقابر لأشخاص جمعتهم الجغرافيا في ساحل العاج، لكن باعدت بينهم الفروق.
عند مدخلها، تفصل الطريق بين قبور المسيحيين والمسلمين. لكن هذا التقسيم سرعان ما ينهار. على الجانبين بين الأشجار، يتجاور قبر للبناني مسيحي ومسلم مع قبر لفرنسي وعاجي. بائعو الورود والأكاليل، عند مدخل المقبرة، يسترزقون على مدار العام، يحفظون مواقيت أعياد المسلمين والمسيحيين والأعياد المحلية. بعض قبور اللبنانيين تعود إلى الخمسينيات والستينيات. حينها كانت العائلات تجد صعوبة في نقل الجثمان إلى لبنان، لناحية التكاليف المادية أو صعوبة التنقل. فيما اختار البعض طوعاً دفن موتاهم هنا لأن معظم أفراد العائلة كانوا يقيمون هنا. حالياً، باتت الخيارات متعددة. العائلات التي وصلت إلى أبيدجان خلال السنوات الثلاثين الماضية تحرص على إعادة موتاها ليدفنوا في مسقط رأسهم لبنان. البعض يكتب في وصيته أن يدفن في مقبرة وليام سيفيل بجوار والديه أو أشقائه. فيما يرفض آخرون العودة في صندوق الشحن كالحقائب، لذا يفضلون دفنهم هنا.
المقبرة استحدثت قبل عقود للمقيمين كافة في أبيدجان. وأخيراً، اشترت الجالية زاوية مستقلة لدفن موتاها، ويتولى كل من عضو بلدية ماركوري الطبيب محمد اللقيس والحاج سامي سويدان تخليص معاملات الدفن مع السلطات المحلية.