دمشق | «حارة المشرقة» هي حارة افتراضية، يتخذ منها الكاتب أيمن الدقر مسرحاً لأحداث عمله التلفزيوني الأوّل، كمكان تجتمع فيه معظم شخصيات العمل، أو ترتبط به، وتحنّ إليه. ومنها أيضاً، نطلّ على دمشق اليوم، عبر نافذة معاصرة بموازاة الأزمة التي تعيشها سوريا، ولكن ربما من زاوية جديدة هذه المرّة، إذ يمكن لـ«الفساد الثقافي» أن يكون باباً جديداً لتخريب نسيج البلاد، وتسريب العقول منها.
بدأ تصوير العمل في دمشق، مطلع شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الفائت، تحت إدارة المخرج ناجي طعمي، ومن إنتاج «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي»، فيما يرجّح أن يرى النور في رمضان المقبل. ولأنّها افتراضية، فالزائر لموقع تصوير العمل الأساسي، لن يجد حارة بالمعنى المألوف في الأعمال التلفزيونية السورية، وهذا أوّل ما نلاحظه لدى زيارة الموقع، على أطراف حي «الشام الجديدة»؛ محال عدّة بنيت بشكل مرتجل، بجوار الأبراج السكنية للحي. تلك المحال هي امتداد لحارة عشوائية مجاورة، ينتمي سكانها إلى عالم آخر، وما يجمعهم أنّهم أناس بسطاء، يكدحون ليل نهار، لتحقيق متطلبات حياتهم البسيطة، والتي تبدو صعبة المنال في العاصمة.
من البرج السكني المجاور، تطّل «شهيرة» (سلاف فواخرجي) على محل «أبو عبدو» (أيمن رضا)، صاحب ورشة تصليح السيّارات، والخبير في التواطؤ مع الموظفين الحكوميين، لنهب المال العام. وعلى بعد خطوات من ورشته، يكون المكتب العقاري لـ«أبو مالك الدلاّل» (عبد المنعم عمايري)، وهو سمسار بالمعنى الواسع للكلمة. يتاجر في كل شيء، ليس العقارات، بل بحبوب الهلوسة أيضاً، إلى جانب ارتباطه بصاحب صالة للفن التشكيلي في بيروت، يدير من خلالها صاحبها «فوزي» (ليث مفتي) عمليات تبييض الأموال، وتهجير العقول عبر تأمين فرص عمل لهم في بلدان أوروبية.
«شهيرة» تكون شريكة «أبو مالك» في أعماله، والمحركان الأساسيان للأحداث، ويقع بين أيديهما الكثير من الضحايا، بينهم زوجها «عيد» (محمد حداقي) الذي يعاني من الفصام، بينما تطلق «السيّدة اللعوب» العنان لجمالها، وقدرتها على الإغواء، لتحقيق ما تريد، وهذا ما يبرّره الكاتب أيمن الدقر لـ«الأخبار»، بالقول: «(شهيرة) ليست غريبة عن الواقع السوري أو العربي ككل، وهي شخصية موجودة في كل بلدان العالم، لكنها أكثر تأثيراً في بلادنا، لأنّنا مازلنا نتعامل مع المرأة في العلن على أنّها عورة، وفي الخفاء كآلهة.
يرصد الواقع كما هو، ويرجَّح أن يدخل سباق رمضان 2015
لذلك من الطبيعي أن تكون المرأة اللعوب محرّكاً ومحوراً للحدث في بلاد كبلادنا، ولكوننا أبناء الكبت الجنسي المزمن، قد يعمي الجمال عقولنا، ويدهش عيوننا. وهذا ما جرى مع (أبو عبدو) الذي سجد لها، وأنفق جميع ماله عليها. أنا لم أبتكر هذه الشخصية لأنّني أعرف العشرات منها في الواقع».
بحسب الدقر، يرصد «حارة المشرقة» الواقع كما هو، فـ«الغالبية العظمى من الشخصيات عايشتهم وأعرفهم عن قرب، خصوصاً الشخصيات الثقافية، وبتصوّري أنّ كل واحد منهم سيرى نفسه عندما يُعرض المسلسل».
عنوان المسلسل يعطي انطباعاً، بانتمائه إلى ما بات يُعرف بالأعمال الشاميّة، وكان هناك اتجاه لدى الشركة المنتجة لتغييره، إلا أن صنّاع المسلسل استقرّوا على إبقائه كما هو، لأنّه يحمل دلالات. هنا، يؤكد الكاتب أنّ «المشرقة في بيوت دمشق، هي سطح صغير يعلو البيت الدمشقي، يطل عليه بالكامل، ويكشف ما يدور فيه، وقصة الحارة هي محور العمل، فكيف إذا كانت المشرقة طابقاً متخيّلاً يعلو الحارة ويكشف المستور؟».
بالعودة إلى «شهيرة»، كيف تتعامل سلاف فواخرجي مع جرأة الدور الذي تقدّمه في المسلسل؟ تجيب النجمة السورية بأنّه «دائماً أتعامل مع أية شخصية من دون أخذ موقفٍ مسبق منها. أبحث عن الإنسان فيها، وأضع نفسي مكانها، لكي أمتلك مفاتيح الدخول إلى عوالمها، الجرأة عنصر مهم باتجاه التغيير، لكنّها ليست هدفاً بحد ذاته. هناك أناس لديهم مناعة ضد الفساد أكثر من غيرهم، أما (شهيرة) فالفساد يحكمها، ولا تستطيع الهروب من الذئاب المحيطين بها، لتتحوّل في النهاية إلى واحدة منهم. وفي النهاية، جميع العلاقات متعديّة، ومنها الظلم، الكل يُظْلَمْ ويَظْلِمْ، ضمن مجتمعٍ كل شيء فيه أهم من الإنسان».
وتضيف فواخرجي أنّ «الدور الذي ألعبه في «حارة المشرقة» جديد بالنسبة لي، وسعيدة ومستمتعة باكتشافه، فهو يلبي رغبتي بالبحث عن الجديد، والتجربة والاكتشاف والمتعة، وهناك اتفاق بين فريق العمل بالابتعاد من تقديم أدوارنا بصورة نمطية، بل بشكل حقيقي، وطريف أحياناً».
هكذا، تخفّف بطلة «آخر أيّام الحب» (2009 ــ إخراج وائل رمضان) جرعة الشر في دورها الجديد بلمسات إنسانية تبديها «شهيرة» تجاه زوجها، وأخرى تنحو باتجاه الطرافة لتلوّن بها سلوك الشخصية، ومفرداتها، وتؤكد ذلك قائلة: «لا يوجد إنسان شرير بالمطلق».
ونوّهت فواخرجي إلى «الواقعية الشديدة» في نص «حارة المشرقة»: «يدخل عوالم درامية جديدة، واللافت أنّ المؤلف، وهو فنان تشكيلي معروف، يكتب دراما للمرة الأولى»، مشددة على سعي فريق العمل «لإنجاز عمل قريب من الناس».
ويشارك في المسلسل الجديد أيضاً الممثلون السوريون أسعد فضّة، وشكران مرتجى، وزهير رمضان، وعلي كريّم، وبشّار إسماعيل، ومحمد قنوع، ومعتصم النهار، إضافة إلى مجموعة من الأسماء اللبنانية بينها آلان الزغبي.