في الطابق الرابع لسنتر «مكاتب» في الحازمية يقع مقر جمعية بيروت ماراثون. حركة دؤوبة وخلية نحل يشهدها المقر قبل عشرة ايام على اقامة ماراثون بيروت الدولي. في أحد المكاتب تجلس رئيسة الجمعية مي الخليل. هي السيدة المثيرة للجدل في الحدث الكبير الذي تنظمه في كل عام، وهو بدأ بفكرة بعد حادثة تعرضت لها الخليل وهي تمارس هواية الركض عام 2001.
حدث سنوي قهر العديد من محطات كبيرة شهدها لبنان وكادت توصله الى الانفجار. فلا اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 نجح في تغييب الماراثون، ولا أحداث 7 أيار عام 2008 استطاعت أن تقفل شوارع بيروت أمام العدائين. ولا حتى التوترات التي شهدها لبنان وما زال يشهدها حالت دون اقامة الماراثون سنوياً.
فكيف يمكن لسيدة واحدة لا تنتمي الى أي جهة سياسية أن تُقفل معظم شوارع بيروت وتلك المحيطة بها يوما كاملا تقريباً؟ وكيف يمكن لسيدة واحدة أن تستطيع تأمين ما يقارب الأربعة ملايين دولار (يدفع مصرف لبنان مليون دولار منها) وهي كلفة عمل الجمعية سنوياً بجميع نشاطاتها (يستهلك الماراثون السنوي ثلثها تقريباً) طبعاً بعد دعم الموازنة من مال الخليل الخاص. وهو دعم بدأ يتراجع عاماً بعد آخر نتيجة عدم القدرة على تأمين موارد إضافية، لكن رغم ذلك دعمت الموازنة هذا العام بما يقارب الـ 600 ألف دولار؟ فكيف تستطيع إقناع القطاعات الاقتصادية بالإستثمار بنشاط رياضي في وقت يعلم فيه الجميع أن القرش الذي يُدفع للرياضة «ثقيل جداً» على قلب من يدفعه؟
إذا فالموضوع فيه بعض الغموض وهناك حلقة مفقودة؟
البعض يرى أن الخليل وصلت الى هذا النجاح نتيجة توافر عدة عوامل لمصلحتها. بعضها نتيجة ظروف معينة وأخرى بسبب قدرتها على بناء شبكة علاقات ممتازة. فهي ابنة مدينة عاليه الدرزية (اختيرت ملكة جمال المدينة في السبعينيات)، ومتزوجة رجل الأعمال فيصل الخليل، شقيق نائب حاصبيا أنور الخليل، الذي هو من كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري. علاقتها ممتازة بآل الحريري، وهي بدأت مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري وزوجته نازك واستمرت حتى الآن. علاقة نجحت الخليل في استثمارها الى أبعد حدود، حتى إن نائب رئيس الجمعية هو العميد المتقاعد حسان رستم ممثل تيار المستقبل في اللجنة الأولمبية اللبنانية التي هو أمين عامها. موظفو الجمعية من جميع الطوائف والتيارات السياسية، وبالتالي ما من ثغرة يمكن لخصومها النفاذ منها. حتى علاقتها باتحاد ألعاب القوى ممتازة، بعدما شابها التوتر لفترة. فرئيس الاتحاد رولان سعادة يرى أن اقامة هذا الحدث أمر بالغ الأهمية للبنان وعاصمته بيروت التي أصبحت بماراثونها توازي عواصم عريقة تقام فيها الماراثونات كلندن وغيرها.
في مكتبها مجسّم خشبي يحمل شعار الماراثون هو «Peace Love and Run». أيضاً تضع قلادة معلقة في عنقها تحمل شعار السلام وقلبا فضيا من وحي شعار الماراثون. قد يكون اللون الفضي من وحي التصنيف الذي تسعى الخليل للحصول عليه هذا العام بعد حصولها على التنصيف البرونزي سابقاً.
إذا ماراثون هذا العام استثنائي لكونه قد ينقل لبنان وحدثه السنوي الى مرتبة أعلى. بالنسبة إلى الخليل المعادلة مختلفة من ناحية القدرة على تحقيق هذا النجاح بعد مرور 12 عاماً على ولادة الماراثون الأول. فهي ترفض أن تحسب على جهة سياسية معينة، وترى أن الثقة التي أصبح الماراثون يتمتع بها، واستمراريته رغم كل الظروف الصعبة التي مرّ ويمر بها لبنان، هما اللتان تؤمّنان الأموال والتعاون من الأطراف المعنية لنجاح الحدث السنوي. فبالنسبة إلى الخليل الماراثون يعني رياضة وسلاما للوطن وتضامنا بين أبناء شعبه، وهي قيم إنسانية أيضاً. وبالتالي ترى الخليل أن انتماءها الى جهة سياسية سيجعلها تفقد ثقة الناس كلها، وتشعر بأنها مظلومة إذا جرى حسبانها على جهة سياسية معينة. وتصل الخليل في كلامها الى ما يقال عن طموح سياسي لها بالوصول الى البرلمان أو الوزارة. فتؤكّد الخليل أنها لن يكون لها مكان في السياسة، وحتى لو عُرضت عليها وزارة الشباب والرياضة (كما حكي سابقاً) فسترفض هذا المنصب.
لكن ما الفائدة التي تحصل عليها الرياضة اللبنانية من إقامة مثل هذا الحدث الذي «يمتص» جزءاً كبيراً من الأموال التي يمكن أن تستثمر في قطاعات رياضية أخرى؟
بالنسبة إلى الخليل الفكرة انطلقت من إيمان قوي بالرياضة وبجمع الناس من جميع الديانات والطوائف في حدث واحد تحت عنوان «الرياضة للجميع». وحين أقيمت النسخة الأولى كان لبنان يتعافى من حرب أهلية فرقت بين اللبنانيين، فجاء الماراثون ليوحد اللبنانيين في نشاط رياضي. كلام يتوافق مع رأي المدير العام لوزارة الشباب والرياضة زيد خيامي، الذي يرى ان الماراثون حدث مهمّ وفيه إيجابيات كثيرة، «إذ يعزز ثقافة الرياضة وكذلك إشراك جميع شرائح المجتمع اللبناني في يوم فرح ولقاء».
كما أن الحدث يجعل الرياضة أمرا قريبا من الناس، ويعزز ثقافة الركض لدى اللبنانيين حتى تستطيع أن تصل الى مشاركة 30 و40 ألف عداء في سباق الـ 42.195 كلم، المخصص للمحترفين، الذي يخلع ثوب الترفيه عن ماراثون بيروت ليجعله حدثاً رياضياً محترفاً أيضاً مع وجود 22 عداءً من نخبة العدائين في العالم.
ولا شك أن إقامة مثل هذا الحدث تتطلب كلفة مالية عالية، وخصوصاً أن نشاط الجميعة مستمر على مدار العام. بالنسبة إلى الخليل فإن حركة ثلاثة ملايين دولار التي ترتفع الى ما يقارب الأربعة ملايين دولار وفق المسؤولة المالية في الجمعية إلهام فقيه، تساهم في تحريك الاقتصاد اللبناني. فالجميعة تضم 28 موظفاً مسجلين في الضمان الاجتماعي ويتقاضون رواتبهم آخر كل شهر بانتظام، كما أن النواحي اللوجستية التي يتطلبها السباق، وهي كثيرة جداً، تحتاج الى أموال طائلة، وتنشط الحركة الاقتصادية أيضاً، سواء على صعيد الحجوزات في الفنادق، أو تذاكر السفر وغيرها وغيرها.
وبرغم القدرة على تأمين هذا المبلغ الكبير تبقى الكلفة أكبر من ذلك. وتشعر بالضائقة المالية التي مرت بها الجمعية سابقاً من خلال كلام فقيه التي تتحدث بحرقة عن الظروف المادية الصعبة، والتي غالباً ما كان يجري تخطيها بدعم مالي من الخليل شخصياً. الأخيرة تؤكّد أن إقامة ماراثون بحجم الذي يقام سنوياً في لبنان يحتاج الى صرف كل هذه الأموال «كي نكون على مستوى الماراثونات الكبيرة»، كما تشير الخليل الى أن التصنيف الفضي يحتاج الى حضور نوعي على صعيد العدائين المحترفين، كذلك سيكون في نسخة هذا العام حضور مميز للعداء الإثيوبي هايلي جبريسيلاسي، الذي سيكون على مدى ثلاثة أيام في بيروت، وسيعقد لقاءات مع العدائين المحترفين اللبنانيين، الى جانب ندوة في جامعة NDU.




معاملة المحترف اللبناني كالأجنبي


تعهدت مي الخليل أن يعامل عدّاؤ النخبة اللبنانيين كما يُعامل العداؤن المحترفون الـ 22 الذين سيحضرون من الخارج، وخصوصاً على صعيد إعفائهم من بدلات الاشتراك، الذي يبلغ 40 دولاراً للعداء. لكنها ترى أن من الصعب إعفاء جميع العدائين الذين يشاركون في سباق الـ 42.195 كلم، علماً أنه في السنوات الماضية كان مشتركو الأندية اللبنانية كالإيليت وانتر ليبانون وغيرهم كانوا يشاركون مجاناً. فبالنسبة إلى الخليل لا بد من إبقاء بدل الاشتراك لعدائي الأندية، الذين يستفيدون من تقديمات هامة جداً في الماراثون، كالتوقيت المحترف وكاميرات على أعلى مستوى الى جانب الجوائز المالية التي توزّع. وترجح الخليل أن يشارك ما يقارب الألف مشترك في سباق المحترفين.




22 عداء وعداءة

22 عداءً وعداءة من جنسيات مختلفة سيكونون حاضرين لرفع تصنيف الماراثون إلى الفضي، ويُعدون من نخبة العدائين المحترفين، وتراوح أرقامهم بين 2.11 ساعتان و2.05 ساعتان


20 ألف دولار

سيتقاضى العداء الإثيوبي هايلي جبريسيلاسي مبلغ 20 ألف دولار مقابل حضوره الى لبنان، الذي تأمّن بجهد مشترك بين مي الخليل وجامعة NDU التي ستؤمّن الإقامة وتذكرة السفر


250 ألف دولار

ارتفعت الجوائز المالية من 100 ألف دولار الى 250 ألف دولار توزّع على الفئات المختلفة. ويرمي هذا الى تأمين متطلبات التصنيف الفضي التي تسعى اليه جمعية بيروت ماراثون

50 ألف دولار

ارتفع المبلغ الذي يتقاضاه الاتحاد اللبناني لألعاب القوى من 5 آلاف الى 50 ألفاً مقابل الإشراف على الماراثون، بعد جهد بذله رئيس الاتحاد رولان سعادة، الى جانب بدلات مادية للحكام