ساحل العاج | تحت راية: non à l›humiliation (هيهات منا الذلة)، يصدح صوت المقرئ نادباً OOOH Zainab (آه زينب). يضرب بيده على صدره ويجهش بالبكاء متمتماً: Que la paix soit sur vous Hussein (السلام عليك يا حسين). لا تعيق اللغة الفرنسية التي تُقرأ بها واقعة كربلاء، بث أجواء الندب في المجلس الحسيني الفرنكوفوني الذي ينظمه مجمع الغدير في ليالي عاشوراء في العاصمة الإيفوارية أبيدجان. من دون أن يقرأ عن ورقة أمامه، يغمض عينيه ويتلو النص الذي ترجمه وحفظه بصوته الشجي الحزين الذي يجعل أداءه لا يختلف كثيراً عن أقرانه في لبنان أو العراق، إلا بالترجمة إلى الفرنسية.

«المجلس الفرنسي» كما يُعرف، انطلق للمرة الأولى في المجمع هذا العام، تلبية لحاجة فئة من الجالية اللبنانية لا تفهم بالحد الأدنى اللغة العربية الفصحى التي يُقرأ بها المجلس الحسيني. جمعية الغدير المقرّبة من حزب الله، خصّصت مجلساً يومياً يعقد بالتزامن مع المجلس العربي، ومجلس آخر لفئة الصغار. لا يقتصر الحضور في المجلس الفرنكوفوني المستحدث، على الجيل الثالث في الجالية، أي من ولد أو نشأ في ساحل العاج في العقدين الأخيرين وارتكزت لغته المحكية وتعامله على اللغة الرسمية للبلاد. في ركني الرجال والنساء، يتباين الحضور بين من هم دون العاشرة الى من تتجاوز أعمارهم السبعين عاماً.
جزء واسع من الجيل الصغير لا يفهم العربية وإن عرف استخدام اللهجة اللبنانية. فيما أنست قلة استخدامها، جزءاً كبيراً ممن ولد في لبنان، المصطلحات بالفصحى.
حرص المغتربين على إحياء المناسبات الدينية يفوق اهتمام المقيمين


الإحياء الكثيف لعاشوراء لا يلقى اعتراضاً من السلطات المحلية


الحضور اللافت هو لشبان عاجيين، وضعوا حول رقابهم الوشاح الأسود واندمجوا في أجواء التأثر. هؤلاء إما حضروا مع أصدقائهم اللبنانيين أو من مسلمي ساحل العاج الذين يهتمون بالمشاركة. الشيخ غالب كجك حضر من لبنان لإلقاء الموعظة بالفرنسية أيضاً.
جمعية الصادق التابعة لمكتب المرجع الديني علي السيستاني، أطلقت المجلس الفرنكوفوني في عاشوراء العام الماضي. بعد أربع سنوات من إحياء مراسمها في السنغال، انطلق الشيخ مرتضى الخالق وشقيقه مهتدي إلى أبيدجان لتلاوة عاشوراء بالفرنسية. في مجلسه الليلي في مقر الجمعية، يتلو خليل السيرة متضمنة أشعاراً من وحي المناسبة وضعها خصيصاً بالتعاون مع شاعر فرنسي من أصل عراقي. فيما شقيقه ينشد اللطميات منها الموضوعة بالفرنسية ومنها المعروفة بعد ترجمتها مثل «يا ليل طوّل ساعاتك». في حديثه إلى «الأخبار»، أوضح الخالق أن البرنامج الفرنكوفوني بدأ منذ 13 سنة في العاصمة الفرنسية، قبل أن تنقل التجربة إلى كندا والسنغال ثم أبيدجان. المجلس الذي كان الأول من نوعه العام الماضي في أوساط الجالية استقطب حضوراً واسعاً، تطور إلى إلقاء محاضرات دينية وشرح القرآن بالتنسيق مع رجال الدين الإيفواريين. في العاشر من محرم، لن يقتصر البرنامج على تلاوة المسرح، بل إن جمعيات الغدير والصادق والبرّ والتعاون تمثيلية لموقعة كربلاء.
إلى أماكن إقامتهم في أبيدجان، نقل الجنوبيون مراسم عاشوراء من بلداتهم كما هي. يلتزم معظمهم لباس الحداد ومن شرفاتهم تتدلى الرايات السوداء ويحرصون على حضور المجالس الحسينية. حوراء زرقط قارئة مجالس خاصة بالنساء تتم دعوتها من لبنان منذ عشرين عاماً لإحياء عاشوراء. تتلو المجلس يومياً في حسينية دخل الله ثم تلبي عشرات الدعوات من أفراد الجالية لإحياء المجالس في منازلهم. تجد زرقط أن اهتمام اللبنانيين في ابيدجان بالطقوس الدينية في عاشوراء وغيرها يفوق اهتمام اللبنانيين في لبنان. وترد السبب إلى «عطش يشعرون به لبعدهم عن وطنهم ما يسبب انفجاراً في عواطفهم واحزانهم وحنينهم تحركه السيرة الحسينية».
منذ أواخر الستينيات، بدأت الجالية بإنشاء الحسينيات. علي حيدر وكامل دخل الله، بداية، استحدثا قاعة على سطح منزلهما في آدجمي وماركوري. ثم افتتح وفد المجلس الشيعي الأعلى مقراً له لا يزال بإشراف إمام الجالية الشيخ عدنان زلغوط. الشيخ جعفر صائغ ومصطفى حيدر أنشآ حسينية أخرى في آدجمي في السبعينيات. حالياً، تتنوّع الخيارات أمام من يريد المشاركة. الى جانب عشرات المجالس التي يقيمها لبنانيون في منازلهم والحسينيات، يشمل البرنامج اليومي مجلساً في جمعية البر والتعاون المقربة من حركة أمل ومجلساً في مكتب المرجع السيد محمد حسين فضل الله وآخر في مقر المجلس الشيعي، فضلاً عن مجلسي الغدير والصادق. الإحياء الكثيف لعاشوراء لا يلقى اعتراضاً من السلطات المحلية، لا بل تخصّص الشرطة فرقاً تتولى تنظيم السير وضبط الأمن في محيط المجالس.