بعد فيلم قصير عام 1993، والروائي الطويل الأوّل Gone Baby Gone عام 2007، تابع بن أفليك مساره الإخراجي. أثبت أنّه جدي في هذا التوجّه من دون التخلّي عن نجومية الممثّل.إثر اعتذار الإنكليزي أدريان لين عن مشروع «المدينة» (The Town ــ 2010)، لجأت شركة «وورنر بروس» الأميركية إلى بن أفليك لإخراجه. تيمة السيناريو المقتبس عن رواية «أمير اللصوص» لتشاك هوغان تناسبه تماماً.

كما في Gone Baby Gone، لدينا جوّ بوليسي يتولّى التشويق، محمّل على دراما من التشابكات العائليّة والعاطفية. الآثار النفسيّة لذلك تنبش في النفس وتصنع القرارات. أفراد يجدون أنفسهم في كمين من الضغوط والتطلّعات والأحلام الخاصّة. نحن في «تشارلز تاون» في بوسطن. المدينة ذائعة الصيت في عمليّات السطو. عصابة يقودها كل من «دوغ ماكراي» (بن أفليك)، و«جايمس كافلين» (جيريمي راينر)، تفتتح الشريط بسطو مسلّح على بنك تعمل فيه «كلير كيسي» (ريبيكا هول). الأحداث تقودها إلى التحوّل إلى مفتاح مهم في التحقيقات، والانخراط في علاقة مع ماكراي المتورّط أصلاً مع شقيقة صديق عمره (بلايك ليفلي)، إضافةً إلى تشابك الأحداث والعلاقات والثقل النفسي، فالمكان يرخي بكيانه على الجميع.



«تشارلز تاون» عشّ دبابير يقدّر المجرمين ويعاملهم كنجوم. الجريمة عمل عائلي تتناقله الأجيال بشكل اعتيادي ضمن ميل مربّع واحد. الساعون إلى حياة طبيعية يدفعون الثمن كالعادة، وإن لم يظهر ذلك بشكل كافٍ في الفيلم.
إذاً، الشريط يجمع بين «فيلم جريمة» والدراما النفسيّة. أفليك يفضّل العنصر الأوّل عندما تسنح له فرصة التعمّق الدرامي. علاقة «دوغ» و«كلير» تحتمل مزيداً من السبر. علاقته بعائلة صديقه كذلك. ثمّة بعض التطويل غير المبرّر في عدد من المشاهد، وخصوصاً في نسخ الفيلم التي صدرت بعد العرض السينمائي.
في المقابل، ينجح أفليك في تثبيت نفسه كمخرج متمكّن. يسند الأدوار إلى ممثّلين ملائمين بمن فيهم نفسه، وينجز الإدارة بشكل فعّال. جيريمي راينر يتوهّج في واحد من أهمّ أدواره. الشريط يقترح حواراً حياتياً، ومشاهد تبني نفسها بسلاسة. ثمّة تعريج على خلفيات الشخوص وجوانب من الحياة الأميركيّة. هذا مفيد في إحكام البناء وجذب المشاهد نحو القاع أيضاً.
«المدينة» مانفيستو صارخ عن ثقافة الجريمة وآليات الاضطلاع بها. عوالم ناضجة يلقيها أفليك في وجوهنا (شارك في كتابة السيناريو مع بيتر كريغ وآرون ستوكارد)، مقترباً من مايكل مان، وفاتحاً الطريق نحو أوسكار الإخراج الذي ناله لاحقاً عن «آرغو» عام 2012.

The Town: غداً الساعة التاسعة والنصف مساءً على mbc2