في البحرين، لست بحاجة إلى الخروج إلى الشارع للهتاف ضد السلطة، أو لرفع لافتة تنتقد فيها الديكتاتور، أو للمطالبة بالتغيير والحرية، حتى يتم إدراجك ضمن القوائم السوداء للنظام القبلي. كل ما عليك «ارتكابه» هو أن تمتلك هاتفاً ذكياً وحساباً على تويتر أو فايسبوك. عندها، تبقى عيون السلطات مفتوحة عليك، علّها تعثر على ثغرة أمنية لكتم صوتك.
هكذا، نفهم رحلة نبيل رجب (1964 ــ الصورة) في سبيل خلق مساحة واسعة لحرية التعبير في الجزيرة الصغيرة، وخصوصاً بعد نشره تغريدة على حسابة الخاص على تويتر يتهم فيها وزارة الداخلية البحرينية بأنّها حاضنة لفكر تنظيم «الدولة الإسلامية». تعليق، وضع الناشط الحقوقي في مواجهة الاعتقال للمرّة الثالثة منذ بدء ثورة 14 شباط (فبراير)2011. غرّد رجب قائلاً: «أغلب شباب البحرين الذين التحقوا بمنظمات إرهابية مثل «داعش» في سوريا جاؤوا من المؤسسات الأمنية والعسكرية». وعلى الأثر، اعتقل المعارض البارز لمدّة أسبوع بتهمة «إهانة هيئة رسمية» في 1 تشرين الأوّل (أكتوبر) الجاري. وفي السياق، قرّرت النيابة العامة البحرينية في التاسع من الشهر نفسه إحالة رجب إلى المحكمة مع إبقائه موقوفاً. وحدّد المحامي العام لنيابة المحافظة الشمالية حسين البوعلي يوم الأحد المقبل موعداً لعقد أولى جلسات المحاكمة.
رجب الذي يتبعه أكثر من مئة ألف شخص على تويتر، ومثلهم على فايسبوك، له من تأثير على الأرض يوازي حضوره في العالم الافتراضي، الأمر الذي أخاف الديكتاتور المستميت لكتم صوته. لذلك، اعتقل الرجل بعد أقل من 24 ساعة على عودته إلى البحرين، بعد رحلة امتدت بين لبنان وأوروبا لإخبار العالم عن قصة بلده المنسي في الغرف السياسية والإعلامية الدولية.
أمام هذا الواقع، استنكرت منظمتا «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية» الحادثة، فيما أشارت الأولى في بيان إلى أنّ «على البحرين إسقاط التهم بحق رجب والإفراج عنه فوراً»، مضيفةً إن «حكومة البحرين تظهر، من خلال توقيف منتقد سلمي لها، ازدراءها بحقوق الإنسان».
وتعتبر هذه الحادثة الثالثة بعد اعتقاله الأوّل في مطار البحرين في 5 مايو (أيار) 2012 حين ظلّ في السجن لأكثر من ثلاثة أسابيع، قبل أن يُعاد اعتقاله مجدداً في شهر حزيران (يونيو) من العام نفسه. وبعد جلسات عدّة من محاكمة زائفة، حُكم على نبيل رجب بالسجن لمدّة عامين على خلفية «تنظيم تظاهرات في المنامة، وانتقاد رئيس الوزراء ومطالبته بالتنحي على تويتر».
كان نبيل رجب يدير مركزاً يهتم بتوثيق انتهاكات النظام خلال الفترة التي فّرضت فيها حالة الطوارئ في البلاد، ما جعله يمتلك منبراً وحيداً يُصدر يومياً قائمة محدّثة بأسماء وأعداد المعتقلين خلال فترة احتل الخوف فيها الشوارع والعيون التوّاقة إلى الحرية. ومن أجل مزيد من التوثيق المنظّم، استقطب رجب العديد من المصوّرين المتطوعين، كان منهم الشهيد أحمد إسماعيل، ما ساهم في بقاء الثورة مستمرة في قرى وبلدات البحرين رغم القمع الذي يمارسه نظام آل خليفة.
حالة من التهويل انتقل معها النظام البحريني من قمع الناس على الأرض إلى ملاحقة النشطاء على الشبكة العنكبوتية، وذلك من خلال غرفة عمليات خاصة حملت اسم «إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية»، تنحصر مهمّتها في تعقّب «مثيري الاستياء»، حسب وصف الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أحد تصريحاته في أيلول (سبتمبر) الماضي. تصريحات وعد الملك فيها بملاحقة من يعارض الرواية الرسمية البرّاقة لعمليات التطهير والقمع الممنهج التي يمارسها حليف واشنطن في حربها ضد «داعش»؛ التسمية الأحب إلى قلب النظام القمعي الهارب من مطالبات الشعب، إلى الانخراط في تحالف دولي لدعم الإرهاب سرّاً ومحاربته علناً.
تجدر الإشارة إلى أنّ منسوب الانتهاكات التي طاولت الصحافيين في البحرين شهد ارتفاعاً هذا العام مقارنةً بسابقه، ما جعل تصنيف هذه الدولة من بين الدول العشر الأسوأ في العالم وفق مؤشر «فريدوم هاوس لحرية الصحافة 2014»، متقدمة على سوريا بفارق نقطتين للعام الثالث على التوالي.