إذا كانت كلمة «إينش بيسيس؟» الأرمنية، التي تعني «كيف الحال؟»، هي الأشهر لدى اللبنانيين من جذور غير أرمنية، فإن كلمة «هارتساغووم» معروفة جداً لدى جمهور كرة القدم. فهذه الكلمة كانت تهتز معها مدرجات الملاعب اللبنانية، وتحديداً ملعب برج حمود حين كان فريقا هومنتمن (وتعني باللغة الأرمنية الاتحاد الأرمني العام للتربية البدنية) وهومنمن (الاتحاد الرياضي الأرمني) حاضرين في أي مباراة مع فرق لبنانية أخرى.
«هارتساغووم» تعني «هجوم»، ولطالما لجأ إليها الجمهور الأرمني حين يكون فريقه متأخراً أو لم يسجّل بعد، فيشعر الفريق الخصم كأنه نفير إعلان حرب. هذا الجمهور الذي كانت له نكهة خاصة، وتحديداً جمهور هومنتمن الذي كان يملأ مدرجات ملعب برج حمود عن بكرة أبيها حين يكون «البرتقالي» طرفاً في أي مباراة، فيما كانت قمة الإثارة حين يتواجه الفريقان في مباراة واحدة، إما على ملعب برج حمود أو الصفاء أو بيروت البلدي.
الأحمر الأزرق البرتقالي هي الألوان التي تميّز بها هومنتمن، وهي مأخوذة من ألوان العلم الأرميني، فيما كان اللونان الأحمر والأبيض هما المفضلين لفريق هومنمن. هذه الألوان غابت منذ صيف عام 2004 حين احتل فريق هومنمن المركز الحادي عشر في الترتيب النهائي لموسم 2003 - 2004 برصيد 21 نقطة وحلّ خلفه جاره «اللدود» فريق هومنتمن في المركز الثاني عشر والأخير برصيد 16 نقطة. خلاصة موسم أسود أُعلن فيه غياب الفرق الأرمنية عن دوري الأضواء، فغابت الجماهير وفقدت الكرة اللبنانية ضلعاً رئيسياً فيها.
المواسم التي تلت لم تحمل الأحداث السعيدة للفريقين، حيث استمر التدهور والسقوط، فهبطا إلى الدرجة الثالثة قبل أن يظهر بريق أمل في الموسم الماضي حين عاد هومنتمن إلى الصعود إلى الدرجة الثانية، ما شكل إشارة إلى احتمال عودة الحضور الأرمني. هذا الحضور الذي كان قوياً، إن كان على صعيد منصات التتويج مع إحراز هومنتمن لقب بطولة لبنان ثلاث مرات، وهومنمن أربع مرات. أما على صعيد المنتخبات، فالأسماء كثيرة، منها مَن هو لبناني، ومنها مَن حصل على الجنسية في التسعينيات كبابكين، كوركين، كيفورك، وارطان وغيرهم. الأخير عاد إلى الساحة الكروية اللبنانية، لكن اللافت ليس من بوابة هومنتمن الفريق الذي قدمه إلى الجمهور اللبناني، بل من بوابة فريق طرابلس، حيث أصبح المدرب المساعد للفريق الذي يشرف عليه فنياً المدرب الفلسطيني إسماعيل قرطام، ووصل معه إلى نهائي كأس لبنان.
يوم السبت في 4 الجاري، لم تكن الأجواء هادئة في ملعب برج حمود والشوارع المحيطة به. حيث كانت الحركة غير عادية وشبيهة بتلك التي شهدتها المنطقة قبل أسبوع أيضاً. فالجمهور كان حاضراً بأعداد كبيرة يوم الأحد 28 أيلول مع انطلاق بطولة الدرجة الثانية، وكيف لا وفريق هومنتمن يستضيف المبرة في الأسبوع الأول. هومنتمن فاز 2 - 1 وعاد يوم السبت ليستضيف الاجتماعي ويخسر أمامه 0 - 2. ليس المهم نتيجتي المباراتين، لكن المهم هو عودة الروح إلى مدرجات ملعب برج حمود بحضور جماهيري ملأ المدرجات المحيطة بالمنصة الرئيسية. فهل هذا يعني أن هومنتمن قرر العودة إلى الدرجة الأولى، وما هي الأسباب التي أوصلته مع هومنمن إلى الحال التي وصلا إليها؟
غابت ألوان الفرق الأرمنية عن دوري الدرجة الأولى بعد موسم 2003 - 2004 حين سقط هومنتمن وهومنمن إلى الثانية
عضو الاتحاد اللبناني، هامبرسوم ميساكيان، يرى أن هومنتمن تراجع نتيجة سفر اللاعبين والهجرة والإنترنت الذي دفع الشباب إلى الابتعاد عن كرة القدم. سبب يبدو منطقياً، يضيف إليه استيبان ديربدروسيان سبباً آخر هو عدم الاهتمام بالناشئين في هومنتمن. ديربدروسيان هو عضو اللجنة المركزية لجمعية نادي هومنتمن في العالم، وهو الذي أخذ على عاتقه توفير موازنة النادي التي تصل إلى 150 ألف دولار سنوياً، والهدف منها إعادة هومنتمن إلى الساحة الكروية، لكن من بوابة الاهتمام بالناشئين. فعلى صعيد هومنتمن في العالم، هناك قرار بعدم دخول الاحتراف إلى الرياضة. والهدف الرئيسي للجمعية هو الاهتمام بالشباب في مجالين: الكشاف بالدرجة الأولى، ومن ثم الرياضة، لكن بعيداً عن الاحتراف. لكن لكرة القدم في لبنان خصوصية معينة دفعت ديربدروسيان إلى أن يأخذ الموضوع على عاتقه، حيث استُقدم مدرب من أرمينيا، هو اللاعب السابق صاموئيل بوغوصيان الذي يشرف على الفريق الأول والفئات العمرية في النادي، وحتى لاعبي الأكاديمة. فالهدف الذي يضعه المسؤولون هو الاعتماد على الناشئين وتطويرهم حتى يصبح هناك ما يقارب 60 إلى 70 لاعباً بعد أربع سنوات، معظمهم من الأرمن. ولا يبدو الصعود إلى الدرجة الأولى هو هدف المسؤولين حالياً، «لكن إن حصل، فهذا أمر ممتاز» كما يقول ميساكيان. «المبدأ واحد كما كان في الدرجة الثالثة بأن لا نهبط إلى الرابعة، وإن صعدنا إلى الثانية، فهذا أمر جيد وهذا ما حصل. وهذا الموسم نسعى إلى عدم الهبوط، وإذا تأهلنا إلى الأولى، فحينها يكون إنجازاً». ويوافق ديربدروسيان على كلام ميساكيان، مشيراً إلى أن هدف الصعود سيصبح رئيسياً بعد عامين.
من جهته، يشير رئيس نادي هومنمن، رافي ماليان، إلى أن الهدف الرئيسي هو العودة إلى الدرجة الأولى. صحيح أن الفريق في الثالثة حالياً، وهو دخل في منافسة قوية مع هومنتمن للصعود إلى الثانية في الموسم الماضي، لكن الطموح مشروع. أما عن أسباب تراجع هومنمن بهذه الطريقة، فيعيدها ماليان إلى عدة عوامل، منها الأوضاع الاقتصادية والأمنية، إضافة إلى أخطاء ارتُكبت على صعيد النادي تحديداً، إن كان في الإدارة أو طريقة العمل. وتبلغ موازنة النادي ما بين 80 و 100 ألف دولار كما العام الماضي، وهي لا شك غير كافية على صعيد الدرجة الأولى، لكن يمكن الصعود معها إلى الدرجة الثانية.
لا شك أن كرة القدم اللبنانية فقدت الكثير من بريقها نتيجة للظروف الاقتصادية والأمنية التي انعكست سلباً على الحضور الجماهيري، وبالتالي إن عودة الفرق الأرمنية إلى دوري الأضواء تُعيد الروح إلى ملاعب اشتاقت إلى روادها.