«هون أطيب لحم قرقور غنم بلدي، لقمة طيبة ع كيف كيفك». يشرح أنطوان الشاب القاعي، لوالد خطيبته الكسرواني وهما يدخلان ملحمة عواضة عند مفرق بلدة إيعات. يسهب الشاب في سلامه على صاحب الملحمة، وفي لفت نظر حماه إلى أنه لا يشتري لحم الغنم، لعائلته أو لرحلات الصيد وزملائه الجامعيين إلا منها.
يُنصت إليه سائر الزبائن ممن يتناولون وجباتهم من اللحم المشوي على الفحم والسودا النيّة داخل الملحمة، كما أولئك الذين تحلّقوا حول طاولة اللحام الذي تفنّن أمامهم جميعاً تارة في تشريح «الفتيلة» للشواء وتقطيع (السودا النيّة)، وتارة أخرى في عرك لحمة «المجرمشة» مع البصل الأبيض والفليفلة والبهارات، كما الكفتة النية، وتحضير لحمة الصفيحة البعلبكية للفرن الذي بجانبه.
تتسارع حركة الرجل الأربعيني وهو يحاول تلبية الطلبات المتنوعة والمتزايدة، من زبائن قصدوه من بعلبك والهرمل والقاع وحتى من المتن وكسروان وبيروت.
ريتا، 23 سنة، اقتصر طلبها ووالدها، على 2 كيلو من لحم الغنم للشواء، ليفاجأ الجزار أثناء تقطيع اللحم لها باعترافها، ومن دون خجل من الجميع أنها لا تعرف طعم اللحمة «لأنه بقرف منها، بس اليوم رح غيّر رأيي، لأنه منظرها بشهّي».
على طريق بعلبك ـ حمص الدولية، وتحديداً عند تقاطع بلدة إيعات ـ الكيال ـ بعلبك، يشدّك مشهد الازدحام أمام 7 محال جزارة (ملاحم) لقصّابين من مدينة بعلبك من آل عواضة، وآل هاشم من بلدة إيعات. تتدلى الخراف أمام تلك الملاحم، وإلى جانبها، تعرض «المقادم والكوارع والغمم المنظفة». أتقن هؤلاء مهنتهم منذ اكثر من 10 سنوات، ويقتصر رصيدهم على اعتماد ذبح الخراف البلدية دون غيرها، وتقديم «اللقمة النظيفة والطيبة للزبون من دون غش»، وإن كان الربح قليلاً، «فنحن نعمل على مبدأ، بيع كتير واربح قليل» يقول أحدهم ل «الأخبار».
لا ينكر الرجل أن للموقع الجغرافي عند تقاطع طريق دولية أهميته في تحويل المكان إلى «محطة للقمة الطيبة ولحمة الغنم»، يقصده الزبائن من سائر أنحاء المدينة والمنطقة، ومن مناطق لبنانية مختلفة، خصوصاً أن غالبيتهم «لا يفضلون الدخول إلى مدينة بعلبك والازدحام الخانق فيها». ويشرح أن مفرق إيعات يكتسب أهمية كبيرة لكونه يربط مدينة بعلبك بمنطقة دير الأحمر ـ عيناتا ـ الأرز ـ بشري، وكذلك بحدث بعلبك ـ عيون السيمان والعاقورة، ويعدّ الممر الأساسي من بعلبك إلى الهرمل والقاع وقرى حوض العاصي وحمص داخل الأراضي السورية.
ليس هذا فقط ما يميز هذه المحال، وما تحويه من مطاعم صغيرة. إذ يؤكد صاحب ملحمة أخرى أن «كل مبيعاتنا مكشوفة لجميع الزبائن الدائمين، الذين نحرص على دوام تعاملهم معنا، وللزبائن الذين يقصدوننا للمرة الأولى لكي ندفعه للعودة مرة أخرى، وإعلام كل أصدقائه ومعارفه عن لقمتنا الطيبة».
رغم أسعار الإيجارات التي ارتفعت عند مفرق إيعات، وباتت «تتجاوز الخمسمئة دولار»، إلا أن أسعار لحمة القرقور لم تتغير وبقيت «تنافس وبفارق ألفي ليرة عن منافساتها داخل المدينة والقرى البقاعية». يشير أحد قصّابي مفرق إيعات، إلى أن سعر كيلو لحم القرقور 28 الف ليرة، في حين يباع داخل المدينة بثلاثين الف ليرة.
تشهد هذه المحال اليوم تراجعاً في حركة المبيع يصل إلى حد الـ60% كما يقول أصحابها. والسبب هو الأوضاع الأمنية المتردية على مدى العامين الماضيين. «هذا العام حرمنا من الصيادين الذين كانوا يتوافدوا بالمئات إلى المنطقة، ومن زوار بعلبك والهرمل». هكذا، عوض ذبح «5 قراقير يومياً، لا نذبح إلا اثنين ويبقى منها لليوم التالي» يقول أحدهم.