غادة حداد
«نحن مسيحيو لبنان لدينا تميُّز، لا نتعايش مع السوري داخل الجامعة نفسها». هذا ما يقوله جو، طالب الجامعة البنانية و«المتعصب مسيحيّاً»، كما يعرّف عن نفسه. جو حقيقي ومثله كثر. داخل كلية الإعلام والتوثيق ـ الفرع الثاني في الفنار، لا يتعدّى عدد الطلاب السوريين الاثنين.

مع ذلك، ثمة حالة من الاشمئزاز والإستغراب يسجّلها معظم الطلاب لدى سؤالهم عن الأمر، فلا يترددون مثلاً باستخدام جملة شبه موحّدة «لا يمكننا أن تنقبّل وجودهم بيننا». وقد نكتشف من يقول: «أصلاً ببيّن عليه سوري». يبدو هذا «نازياً» ولكن حقيقي.
لم يحاول جو التعرف الى السوريين عن كثب، ولو فعل، ربما لكان تفاجأ ببعض التفاصيل عن الحياة اليومية التي لا تختلف كثيراً عن حياته. ربما، كان بنى صداقات أو وجد حبيبة، أو حتى اكتشف أن لديه جذوراً سورية. وقد سبقه سياسيّون إلى ذلك أضاعوا جذورهم في سوريا ولا يريدون التعرف إليها. في رأس الشاب العشريني فكرة واحدة «بعد ما قام به السوريون بحق مسيحيي لبنان أثناء احتلالهم للبلد، لن يتقبل هذا المسيحي أي سوري داخل جامعته يشاركه مقاعدها». جو لا يبالي إن دخل السوريون الى لبنان مرة اخرى «شرط عدم الاحتكاك بالمسيحيين». واذا أرادوا دخول الجامعة اللبنانية «فهناك الفروع الاولى والثالثة والرابعة والخامسة، إلا الثانية، فهنا غير مرحب بهم».
غالبية الطلاب اللبنانيين بنوا ردود فعلهم على أساس ما سمعوه في بيئاتهم، وها هم اليوم يحمّلون أبناء جيلهم من السوريين مسؤولية تصرفات النظام السوري في زمن الحرب والوصاية وما بعدها


باتت الجامعة الوطنية، التي يفترض أن تضمّ شباباً منفتحين ومتحررين، كابوساً آخر للسوريين الهاربين من حربهم الكبيرة


لا يرفض معظم الطلاب اللبنانيين وجود زملاء أجانب بشكل عام، لكن مشكلتهم «فقط مع السوريين»


يدرك معظم الطلاب أنه «إدارياً» يحق للسوريين أن يتسجّلوا في الفروع الثانية في الجامعة الوطنية، لكن «إذا وافقت الإدارة يجب على الطلاب رفض وجودهم» يشير عدد من هؤلاء. والسبب؟ «سوريا احتلت لبنان مثل اسرائيل، وكما أرفض أن يتعلم الإسرائيلي في الجامعة اللبنانية أرفض أيضًا السوري»، يقولون صراحة.
هكذا، باتت الجامعة الوطنية، التي يفترض أن تضمّ شباباً منفتحين ومتحررين، كابوساً آخر للسوريين الهاربين من حربهم الكبيرة. ففي كلية العلوم ـ الفرع الثاني أيضاً، غادر عدد كبير من الطلاب السوريين الجامعة بسبب مقاطعة زملاء لهم في بداية العام الدراسي «خصوصاً المسلمين منهم». أما السوريون المسيحيون «فأهلا وسهلا بهم»، كما يروي أحد الطلاب السوريين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه. ربما جاء هذا الموقف «من رواسب الحرب اللبنانية»، يقول ذلك الطالب، أو «من تأثير الحرب السورية اليوم»، أو «من تأثّر اللبنانيين بشخصيات مسلسل باب الحارة» يضيف ضاحكاً. لكن ابتسامته تلك تختفي سريعاً، عندما يردف بحزم «لو كنت مسلمًا، لكان الوضع أصعب بكثير داخل الكلية». وعن الأفكار المسبقة التي كونّها بعض زملائه اللبنانيين عن الطلاب السوريين، يقول الطالب إنهم يعتقدون أن «مستوى التعليم المدرسي والجامعي في سوريا أدنى من لبنان، لأن المواد تدرّس باللغة العربية وهذا خاطئ، فالمستوى هو نفسه بين البلدين».
تحاول كيندا سمارا، الطالبة في العلاقات العامة في كلية الاعلام والتوثيق ـ الفرع الثاني، إخفاء هويتها السورية عن زملائها «تجنباً للمضايقات». تدرك الشابة أن «اللبنانيين بشكلٍ عام لا يحبّون السوريين ويتعاملون معهم بفوقية»، فقد سمعت زملاءها يكررون أن «السوريين احتلوا لبنان وكانوا يسرقون رغيف الخبز منا». لا تنفي تعرضها لمضايقات ولو بطريقة غير مباشرة، فقط لكونها سورية. وتقول: «في الصف، يتجنب زملائي الحديث عن السوريين أمامي، لكن التلميحات واضحة في أغلب الأحيان وهي دائماً مصوّبة على الشعب السوري ككلّ». وتضيف، «الناس هنا طائفيون بشكل مخيف». تستغرب كيندا النظرة الدونية من قبل اللبنانيين لشعب مجاور لا يعرفون عنه الكثير، وتقول بثقة: «أعرف قدراتي العلمية وخلفيتي ولا يمكن التقليل من شأني فقط بسبب جنسيتي»، مضيفة: «لا أريد الدخول في مواجهة مع أحد في الجامعة، لست هنا لأدافع عن السوريين أو لأسوّق لرأيي السياسي، جلّ ما أسعى إليه هو الحصول على شهادتي».
لكن، بعد الاستماع الى التعليقات المتطرفة من الطلاب اللبنانيين تجاه السوريين، كل السوريين، لا بدّ من تسجيل استغراب حول ذلك الكره العشوائي. فجيل اليوم لم يعايش الظلم الاستخباراتي طوال الحقبة الماضية ولم يعذّب أحد منهم داخل السجون السورية. أغلب هؤلاء بنوا ردود أفعالهم على أساس ما سمعوه في بيئاتهم. وها هم اليوم يحمّلون أبناء جيلهم من السوريين مسؤولية تصرفات النظام السوري في زمن الحرب والوصاية وما بعدها. غالباً، لا يستطيع الشاب اللبناني تبرير رد فعله المتطرف تجاه هذا «الغريب» الذي «سرق الجرّة». روزي مثلاً «ضد وجود اي طالب سوري» في الجامعة اللبنانية و«نقطة على السطر». سارة توافق، لكن «حسَب». حسب ماذا؟ هي تقول إنه «من الضروري أن يحافظوا على مظهرٍ لائق ويأتون بهدف الدرس لا لافتعال المشاكل»، كما ترى أنه «يجب خفض نسبة الطلاب الأجانب من 10 الى 5%». أمر يوافق عليه إيليو أيضاً معلّلاً «يجب أن يبقى هناك فرق بيننا وبينهم، فنحن في لبنان وهذه جامعة لبنانية». «مظهر لائق» و«بيننا وبينهم»، مفردات دارجة هنا. إيليو، ينتقل من «الخوف على الوجود» الى الحرص على الجنسيات الاخرى، فهو يشير الى وجوب إحلال توازن بين كل الطلاب الأجانب أي أن نسبة السوريين يجب أن لا تتعدى 5% كي يتمكّن طلّاب من الجنسية المصرية أو غيرها من إيجاد مكان لهم في الجامعة». إيليو قلبه كبير. كريستين من جانبها لا ترفض وجود طلاب أجانب بشكل عام، لكن مشكلتها «فقط مع السوريين». يا للهول. فبرأيها «هم يأخذون مكان اللبنانيين». وهنا تبدي خشيتها من أن «لا يعود السوريون الى بلدهم أبداً عندما تؤمّن لهم كل التسهيلات هنا».
ومن الخشية على الوجود ينتقل آخرون الى هموم أخرى «محسوسة». فالدولة اللبنانية، بحسب فؤاد، «هشّة وكل طالب أجنبي يكلّف الدولة ما يقارب ألف أو 1500 دولار سنويًا والدولة غير قادرة على استيعاب هذا العدد الكبير من الطلاب، ومن هنا ضرورة أن تبقى للطالب اللبناني الأولوية في حجز مكانه في جامعته الوطنية». يرفض فؤاد تخصيص نسبة للطلاب الأجانب في الجامعة اللبنانية، ويرى أن «الطالب السوري الذي سيتعلم في لبنان لن يفيد الدولة بشيء». هذا مثلاً صاحب «حس قومي عالي». ويضيف: «نعاني أصلاً من فائض في التلامذة ومن بطالة في سوق العمل، فبأي حق يأتي السوري ويجلس معنا على الكرسي نفسه في جامعاتنا؟». ربما، يجب أن يخبر أحد ما «صديقنا» فؤاد، أن الجلوس على الكرسي لا يحتاج إلى جواز سفر.