حظيت دعوة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قبل أيام، أبناء طائفته للعودة إلى الإسلام والفرائض الخمس وبناء المساجد، بالكثير من ردود الفعل. منها ما نوقش سياسياً، ومنها ما اتخذ بعداً دينياً من قبل مشايخ طائفة الموحّدين. لكن الدعوة أثارت أيضاً اهتمام اللبنانيين الذين لا يعرفون الكثير عن مذهب الموحّدين، واعتقادات معتنقيه. هل هم مسلمون؟ يصلّون ويصومون؟ وهل لديهم مساجد فعلاًً؟ ومتى يمارسون شعائرهم؟ بل هناك عدد كبير من الدروز أنفسهم لا يعرفون الكثير عن المذهب الذي ينتمون إليه، ما يعزّز الانطباعات الموجودة في الشارع اللبناني عن «سرّ» ما يخفيه رجال الدين الدروز، حتى عن أبناء مذهبهم. وهذه السريّة هي التي سمحت لعدد من الأفكار السلبية، والأحكام المسبقة، بالانتشار في أوساط الكثير من اللبنانيين، من أمثلة أو شائعات تصبّ في خانة الإشارة إلى عدم الثقة بأبناء هذا المذهب. كما تنتشر الأقاويل عن حرمة تناول بعض الحشائش، مثل الملوخية أو الكزبرة.
في ظلّ هذه المعلومات المغلوطة، قد يكون الأمران الوحيدان اللذان يعرفهما اللبنانيون عن الشعائر الدينية الدرزية، هما الثياب وعيد الأضحى. لكنهما ليسا سوى مظهرين خارجيين، لا يقولان الكثير عن الدين.
«لا، لا نعرف لمَاذا هو عيد» يقول أحد أبناء عاليه خلال جولة قمنا بها في المدينة. يسأل الرجل الخمسيني جاره، الشيخ، الذي يبتسم ولا يجيب. ويستعين الرجلان بعامل سوري ليشرح سبب الاحتفال بعيد الأضحى. يرتبك الأخير قبل أن ينطلق في الحديث عن أهمية الفرح في الأعياد. عندها، يختصر الأوّل الموضوع بالقول ضاحكاً: «نحن منعرف نعيّد وبس».
لا يعرف الكثيرون من أبناء الطائفة الدرزية لماذا يحتفلون بالأضحى


كثيرون هم الذين لا يقدّمون إجابة عن السؤال: لماذا تحتفلون بالعيد؟ يقول شاب ثلاثيني: «هو أضحى من التضحية». ويقول صديقه «لأن النبي ابراهيم خاض التجربة وكاد يذبح ابنه». وتجيب عشرينية «هو العيد الوحيد الذي نحتفل به، ولا أعرف لماذا»، مرجّحة أيضاً أن يكون الأمر مرتبطاً بالنبي ابراهيم.
بالنسبة إلى الأطفال، العيد هو المفرقعات والهدايا والعيدية. المشايخ الصغار لا ينسون الفقراء من عيدياتهم كما يقول لنا ريبال ابن العشر سنوات. يبدو مقتنعاً بالزيّ الذي يرتديه «لأني شيخ» يقول بثقة، في حين يبتسم رفيقاه مازن وريدان بخجل لا يزول إلا بعد العودة إلى الدراجة الهوائية، ومحل المفرقعات الذي غرقوا فيه في ساحة بيصور.
تشرح صاحبة المحل زلفا العريضي عادات العيد في البلدة: عند الساعة الخامسة صباحاً تجتمع عائلتا ملاعب والعريضي هنا، تتبادلان التهاني وتقومان بجولة على البيوت للتهاني. وتكاد تكون هذه العادة مشتركة في مختلف القرى الدرزية: يجول رجال القرية مجتمعين على بيوتها، أو رجال الدين فقط في بعض القرى، يهنئون بالعيد ويتناولون الضيافة الخاصة بها.
هذه الضيافة باتت موجودة على صينية رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي، الشيخ هادي العريضي. نتناول المعمول والكعك في منزله في بيصور، الذي تزيّن أحد جدرانه صورة كبيرة للكعبة خلال موسم الحج. لا يتردّد الشيخ في الإجابة عن أسئلة «الأخبار»، معترفاً بأن جزءاً من سوء الفهم الحاصل لدى اللبنانيين بخصوص طائفة الموحّدين وشعائرها «نتحمل نحن مسؤوليته لأننا فعلاًً لا نحكي عن أنفسنا». ويعيد السبب إلى «خشية كانت موجودة من فهم الآخرين الخاطئ لبعض الفرق الإسلامية».
نبدأ من العيد «الذي نحتفل به تزامناً مع موسم الحج الذي تمارسه بقية المذاهب الإسلامية». ويوضح العريضي أن الموحّدين «كانوا يقومون سابقاً بمراسم الحج، وتوقفوا عن ذلك منذ قرابة 300 سنة لأسباب عديدة». ومنذ ذلك الوقت، صار المتديّنون يحيون الليالي العشر التي تسبق العيد، والتي يعرفها الأهالي بـ«عاشور العيد». يشرح العريضي: «مع بدء شهر ذي الحجة، يدخل المشايخ في ليالي إحرام، فيحيون السهرات الدينية ويقيمون الصلوات ويقرأون الأدعية». بعض هذه الطقوس يكون مفتوحاً لمن يرغب، وبعضها يقتصر على المتقدّمين في العلم. وتقام هذه السهرات الدينية في المساجد، التي لا مآذن لها.
ويكشف العريضي أن الأضحى ليس العيد الوحيد للطائفة «نحتفل أيضاً بعيدي الفطر ورأس السنة الهجرية، لكن على نطاق أضيق». الأضحى هو الوحيد الذي يتخذ بعداً اجتماعياً. نفهم إذاً أن مشايخ الموحّدين يصومون خلال شهر رمضان؟ نعم يقول العريضي. ويقيمون الصلوات الخمس؟ نعم «لكنهم بخلاف بقية المذاهب لا يفعلون ذلك علناً، بل في خلواتهم». وبمَ يختلفون أيضاً عن بقية المذاهب الإسلامية؟: «الزواج عندنا هو من امرأة واحدة، كما توجد لدينا حرية الإيصاء وعدم إعادة المطلّقة».
يضحك العريضي لدى سؤاله عن الأحكام المسبقة الموجودة في أذهان اللبنانيين عن الطائفة. «نحن لا نحرّم إلا ما حرّمه القرآن الكريم». ويختم الحديث بالإشارة إلى سياسة جديدة في التعامل وهي الحديث عن الطائفة، لافتاً إلى أن «المجلس المذهبي بدأ سلسلة من الإصدارات الدينية، وسيكون لنا موقع إلكتروني نعرّف به عن أنفسنا، وسنفتح باب الأسئلة والأجوبة قريباً، كما نعدّ دورات تثقيف توحيدية في المناطق». دورات التثقيف هذه باتت ملحوظة فعلاً في المناطق، حتى في قرى لم تعرف الدروس الدينية يوماً. إذ توزّع الدعوات إلى حضور دروس دينية بمناسبة «عاشور العيد» في أكثر من قرية. فهل نحن أمام موجة تديّن لدى أبناء الطائفة؟




شروال العيد



يحظى الشيخ دانيل جابر بشهرة واسعة، بوصفه خياطاً لثياب المتديّنين من الدروز بشكل خاص. هذه ميزة خاصة بأبناء الطائفة: رجال الدين الدروز حرفيون. يعيشون من عملهم، غير المرتبط بإدارات الدولة.
في محل الخياطة الكائن قرب سرايا عاليه، يعمل الشيخ دانيل على خياطة الشراويل، للمشايخ وللفرق الفولكلورية على حدّ سواء. في السابق، كان الشروال مطلوباً في مختلف المناطق اللبنانية، ولم يكن يقتصر على أبناء الطائفة. «كنت أبيع في إهدن وبشري وزغرتا... اليوم، هناك قلّة تقصدني من كبار السنّ من أخواننا المسيحيين». بدأ جابر هذا العمل كهواية عام 1982، بعدما كان يراقب والدته وهي تخيط الثياب لأفراد العائلة. ومع ازدياد الطلب عليه، قرر أن يفتح محلاً عام 1993. يرفض جابر القول إن الفتاة عادة، هي من تتعلّم من أمها. «بالعكس، ألا تسمعين العبارة التي تقول: الخياط الماهر والحلاق الشاطر؟».
هو ماهر في الخياطة، تعلّم القَصّة وأتقنها، وبات يطوّرها. مثلاً، خلال فترة العيد، التي يزداد فيها الطلب على ثياب الأطفال يحاول أن يضيف بعض الزخرفات «كأن نضيف زنّاراً، أو نزيّن الجيبة». وبسبب تراجع العمل عمد، مع انتشار موضة الشراويل للفتيات قبل عامين إلى خياطتها «ولاقت استحساناً».




أضاحي سوق الخان

(علي حشيشو)
غطى الصراخ الصادر من الخلاف على سعر الخروف بين البائع والمشتري، على كل ما عداه في سوق الخان (حاصبيا) الأسبوعي الثلاثاء الفائت. الزحمة على بسطات عرض الملابس والحلوى وألعاب الأطفال، لا تضاهي الزحمة على اختيار الخروف أو الشاة المناسبة لذبحها صبيحة عيد الأضحى.السوق الذي يقصده أهالي العرقوب وحاصبيا ومرجعيون، يركز في موسم عيد الأضحى على وجه الخصوص، على بيع المواشي. إذ لا تزال الكثير من العائلات، لا سيما الدرزية، تحافظ على تقليد التضحية في محاكاة لطقوس الحج.