تونس | يبقى مشهد مئات اليهود ينشدون النشيد الوطني التونسي في افتتاح موسم الحج للغريبة عام 2013 عالقاً بأذهان التونسيين. لا يتوقف الأمر على ذلك، وأنت تتجول في شوارع العاصمة، وفي «لافايات» تحديداً، حيث يوجد بضع مئات من اليهود، لا يمكنك أن تكتشف ديانة مخاطبك أو مجالسك إلا إذا كان لك بذلك علم مسبق. فيهود تونس تونسيون لغة ولهجة ومظهراً وعادات وسلوكاً.
يعرفون معنى الاعتدال. يعتنقون عادات البقية في الاحتفالات والأعراس ومتشبثون بالأزياء التقليدية التونسية مفتخرين بها. يتميزون بمطاعمهم التي يقبل عليها التونسيون لما تعرف به من أكلات شهية ووصفات محببة. وحين تدخل مطبخاً لعائلة يهودية فاعلم أنك ستخرج راضياً: هنا تونس.
أما في جربة، فيتركزون بأحياء كبرى عرفوا بها على غرار «الحارة الكبيرة»، حيث يعيشون مع المسلمين، بعدما كان الحيّ سابقاً يهودياً صرفاً. وفي أحد شوارع هذا الحي، يُجاوِر محلّ الاسكافي بلقاسم بو جناح «الاسلامي»، محل «عند رامي» الذي يبيع فيه تاجر يهودي أكلة «البريك» الشهيرة في تونس. ولا يفوت الاسكافي الفرصة حتى يُذكر بأن اليهود والمسلمين يتقاسمون هناك كل شيء، حتى الألقاب العائلية، في اشارة الى لقب «بوجناح» الذي يحمله أيضاً يهود تونسيون. هنا، يشتغل اغلب يهود جربة في صناعة وتجارة المجوهرات.
وإذ نتحدث عن يهود تونس، لا مفر من أن تذكر أعلام وأسماء أثرت في تاريخ البلاد وفي تراثها وفنونها. في تونس يعرفون نسيم شمامة وزير المال للدولة الحسينية قبل الاستعمار الفرنسي، وألبير شمامة شيكلي وهو رائد السينما التونسية، وبول صباغ المناضل في الحزب الشيوعي التونسي في الأربعينيات والمؤرخ، وميشال بوجناح الممثل، وألبير ممي الكاتب، وكوليت فلوس الأديبة تونسية، وصولاً إلى جيلبير نقاش الأديب والكاتب التونسي، وجورج عدة السياسي والنقابي التونسي. وفي الغناء يجب التوقف لبرهة عند حنجرة حبيبة مسيكة إحدى أبرز مغني وممثلي تونس، والشيخ العفريت أحد أبرز الفنانين التونسيين.
ولئن عبر يهود تونسي عن مخاوف «طارئة» من الانعزال والانغلاق بسبب ما تشهده بلادهم من أحداث وتحولات، فإنهم قد رفضوا في عمق الأزمة التي شهدتها البلاد الاستجابة إلى دعوات إسرائيل بترك تونس والالتحاق بالمستعمرات الاسرائيلية، وأكد معظمهم أنهم على ثقة من أهالي بلدهم وجوارهم وأصدقائهم. هذا شائع هنا ويعرفه التونسيون. لكن كل هذا، لا يمنع اقرار البعض من اليهود أنفسهم بانغلاقهم على أنفسهم خصوصاً في جربة، وحرصهم على تزويج أبنائهم باكراً «من طائفتهم». كما لا يتشجع كثير منهم على إرسال أبنائهم إلى الدراسة في العاصمة خوفاً من اختلاط «مبالغ فيه» مع المسلمين تجنباً لاحتمال حصول «زيجات مختلطة».