استفاق أهالي اقليم الخروب فجر 6 تموز الفائت على صوت قوي، اعتقدوا أنه انفجار. ولم يرتاحوا عندما عرفوا أنه ناجم عن هزّة أرضية، بل عادت الذاكرة بكبار السن منهم، في بلدة شحيم، إلى الزلزال الذي ضرب بلدتهم عام 1956 وأودى بحياة 36 شخصاً من أبنائها.
هنا في شحيم، لا تعدّ عبارة «لو انشقّت الأرض» تعبيراً مجازياً يدلّ إلى استحالة حصول أمرٍ ما. انشقاق الأرض واقع تعايشوا معه منذ عام ١٧٥٩. ففي هذا العام ضرب زلزالٌ كبير البلدة، شقّ الجبل وهدّم القريّة مخلّفاً وراءه ما يُعرف اليوم بـ«شقّ العجوز» الذي قسم جبل روبين، قاضياً على نهره وعلى العديد من أهله. وبعد إعادة بناء القرية، وقبل أن تُمحى ذاكرة الزلزال من قلب الأرض، عاد زلزالٌ آخر وضرب القرية في العام ١٩٥٦ هادماً القرية وموسّعاً «شق العجوز» ثلاثة أمتار.
كثيرة هي المعالم التي تذكّر بالزلزال في البلدة، من «شق العجوز» الشهير، إلى التفسّخات الظاهرة في الأرض للعيان. وطبعاً، هناك ذكريات كبار السنّ الذي شهدوا ما حصل، ولا يزال يرتسم أمامهم كذكرى يصعب نسيانها ويُخشى من تكرارها.
يعود عبد الكريم الحاج شحادة (٧٨ سنة) بالذاكرة إلى مساء تلك الجمعة، الواقع فيه ١٦ آذار ١٩٥٦. يومها كان في المنزل مع أهله وأشقائه «وكانت الساعة تقارب التاسعة والنصف. فجأة، سمعنا صوت انفجار قوي، ترافق مع اهتزاز للمنزل. راح ضوء «اللوكس» المعلّق بالسقف يتخبّط يميناً ويساراً، وسمعنا أصوات صراخ تعلو في كلّ القرية. ركضنا إلى الخارج لنرى ماذا يحصل. لم نكن نعرف حينها بأنها هزّة أرضية! وفجأة، وقعت هزّة أُخرى وأقوى. ركضتُ وتعلّقت بجذع شجرة التوت، فيما بقي نظري معلّقاً على المنزل الذي رأيت حجارته تموج مبتعدةً بعضها عن بعض، تارةً إلى اليمين وأُخرى إلى اليسار. ثلاث هزّات وقعت، ترافقت مع أصوات انفجارات بدا أنها تخرج من «شق العجوز» واستمرّت لمدّة تقارب النصف ساعة كانت كفيلة بتهديم أكثرية منازل البلدة وقتل عائلاتٍ بكاملها».
تنسج الكثير من
الروايات حول تسمية «شق العجوز»

يروي عبد الكريم ما حصل قبل 58 عاماً، وكأنه يراه أمامه اليوم. مشاهد تلك الذكرى الأليمة جعلته غير خائف من الهزة الأخيرة، فمدّتها القصيرة وقوتها لا تشبّه تلك التي عاشها مطلع شبابه. وحده الصوت الذي خرج من شقّ العجوز في تلك الليلة كان وجه الشبه بين الاثنتين.
أما أم محمد (٨٥ سنة) فهي تقطن مباشرةً على «شقّ العجوز». ولكن هذا الشق كان جاراً لطيفاً نوعاً ما، فلم يثر عليهم بقوّة بعد عام ١٩٥٦، وإن كان يتحرّك كل فترة تاركاً بعض الشقوق في أرض دارها، تبدو ظاهرة للعيان. «هذا الشق كان موجوداً من قبل أن أولد، وقبل أن يولد أهلي. البعض يسميه شق العجوز لأنه قديم في الأرض، والبعض يطلقون عليه هذه التسمية لأنه شق الأرض وعجز ولم يكمل». وتضيف أم محمد حكاية عن «امرأة عجوز كانت تلملم الحطب ووقعت فيه فأخذ عمرها وأصبح عجوزاً». حكايات مختلفة تسردها لنا عن مصدر تسميّة هذا الشق، قبل أن تختتم تاركة لنا الخيار «كل شيء وارد وكلّه معقول».
وكما شقوق دار منزل أم محمد، تحصل تخسّفات في الطريق وتتحرّك بعض المنازل من أماكنها. فكلّ عام تتقدم بعض المنازل الواقعة في منطقّة خطّ شق العجوز بضعة سنتيمترات وتخسف الطريق لتشّكل ما يشبه المطبّ في الوسط. هذه المنطقة المتحرّكة، أو كما يصفها أهلها «الزيّاحة»، استدعت أساليب بناءٍ خاصّة تتمثل ببناء أساسات المنزل على شكل بلاطة واحدة، إذا تحرّكت، تتحرك كلها في الوقت نفسه ما يحول دون تشقق الجدران.
«الرابط الوحيد بين زلزال ١٩٥٦ والهزّة التي حصلت منذ فترة قريبة هو نقطة ارتكازها المتمثلة بفالق روم-جزّين» يقول رئيس بلديّة شحيم المهندس خالد البابا. الأهم بالنسبة إليه، أن الهزات الأخيرة لم تتسبب بوقوع أي ضحايا «على عكس زلزال عام ١٩٥٦ الذي خلّف ٣٦ قتيلاً و١٠٠ جريح وهدّم وصدّع كل منازل القريّة. بينما لم يُبلّغ عن أي حالة تصدّع أو انهيار في أي منزل في شحيم وذلك على الأغلب بسبب تطور طرق البناء». ويتوقّع البابا أنه، «وفي حال ضرب زلزال بقوة ٦ درجات على مقياس رختر (كذلك الذي ضرب البلدة علم ١٩٥٦)، لن تكون الأضرار نفسها. ففي الماضي كانت المنازل عبارةً عن أقبية من الطين والحجر، والتي بناء على طريقة بنائها تتحمّل ضغطاً عمودياً كبيراً، لكنها ضعيفة أمام الضغط الأفقي».