قبل أيامٍ قليلة أقرّ الاتحاد الإسباني لكرة القدم وقف مدرب ريـال مدريد الايطالي كارلو أنشيلوتي، مباراتين، لمجرد تصفيقه للحكم بطريقةٍ ساخرة عقب المباراة امام فالنسيا في الدوري المحلي. هي لقطة مسرحية كان قد قام بها أنشيلوتي على مسرح ملعب المباراة، لكن هناك في بلاد «الليغا» هذا النوع من التمثيل غير مسموح به ولعب الادوار غير الاخلاقية امر غير مقبول، لأن كرة القدم مبنية على الاحترام قبل اي شيء آخر، واحترام الحكام هو من الاساسيات، لا بل من المسلّمات.
اللافت ان مسرحيات اسوأ تشهدها ساحات ملاعبنا في الرياضات المختلفة. مسرحيات ابطالها اعضاء في الاتحادات الوطنية او رؤساء واداريون في اندية. مسرحيات تحمل في سيناريواتها اسوأ الكلمات والتصرفات، لكن لا تكتمل هذه المسرحيات الا بإخراج مَخرَجٍ يضمن للمعتدين والمخطئين نهاية لا تسيء الى صورتهم بل تكرّس مقولة «البطل لا يموت».
لم يعر الاتحاد الإسباني اي اهتمام لوجود ريـال مدريد في موقف المنافس على لقب الدوري الاسباني، وغياب مدربه سيؤثر عليه حتماً في نواحٍ عدة. كذلك، لم يتوقف الاتحاد الاسباني عند مسألة تعتبر انه بما اننا وصلنا الى نهاية الموسم فلا ضرورة لمعاقبة المخالف. ببساطة، هناك في بلاد الاسبان المخالفة ثمنها العقوبة، أيّاً كان حجم المخالف او من ورائه من دعمٍ يأتي من قلب الاتحاد او من اسم النادي العظيم الذي ينتمي اليه.
اي مسرحية ثمنها العقاب الشديد، تماماً كما كشف الاتحاد الآسيوي اخيراً «لعبة» امينه العام اليكس سوساي، فأقرّ إيقافه سريعاً غير آبهٍ لتاريخه الطويل في الاتحاد القاري أو لمنصبه المؤثر في ادارة العملية الكروية في القارة الصفراء.
لكن لمسرحياتنا نهايات اخرى. نهايات استثنائية تتغيّر فيها السيناريوات بحسب ما تقتضيه الحاجة، فيصبح هناك مبرر لنزول عضو اتحادٍ ورئيس نادٍ الى ارض الملعب مهدداً ومتوعداً الحكام. ويصبح امراً عادياً نزول رئيسٍ آخر مستعرضاً عضلاته ليخرج من الجولة، حاصداً نقاطاً سوداء في سجلّه الرياضي.
زمن المسرحيات هذا لا يبدو انه سينتهي في ملاعبنا اللبنانية ما دام «دود الخل منّو وفيه»، فمن يعاقب من؟ أيعاقب اتحادي نفسه لتحيّزه او محاولته التأثير على الحكام؟
هو امر صعب ويطرح مجدداً ضرورة فرض البيروقراطية في تركيبة اي اتحاد لإبعاد الضغوط عن الحكام مثلاً وتذويب اي انحياز يمكن ان يحصل في المنافسات.
البيروقراطية ولا شيء سواها، فغيابها يبقي الأجواء التفاوضية حاضرة في عمل الاتحادات لتسليف هذا او ذاك موقفاً يتناقض والقانون، فتخلق الاجتهادات لتفسير وتبرير هذه الحالة او الاخرى رغم وضوحها الى العيان والى كل الكاميرات التي لا تكذب.
هو زمن المسرحيات بامتياز، لكن بأدورٍ مزيّفة يخرج البعض فيها عن اطار السيناريو الحقيقي المفترض أن يتبعوه، فلا يعيرون اي اهتمام لكرامة احدٍ، اذ حتى المتابع او الناقد او المراقب يشعر بتقليل احترام تجاهه، لأن احدهم يحاول استغباءه بمسرحية اخرى لخلق نهاية تبعد الشبهات عن المسرحية الاصل.
رياضتنا اصلاً مليئة بالمسرحيات والاستعراضات والفولكلورات وقلّة قليلة ترفض لعب ادوارٍ فيها، لأنها لا تجيد التمثيل اصلاً. هم يقولون: أرجوكم أوقفوا مسرحياتكم، فهي أفلام هندية محروقة نعرف فصولها ونهايتها، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.