■ تتواجد في لبنان لتصوير دورك في مسلسل «سفينة نوح» (كتابة رافي وهبي، وإخراج حاتم علي) عن فيلم «العرّاب». كيف تُعرّفنا بهذا العمل، وما أهمية تحويل الفيلم الشهير إلى مسلسلين لشركتين سوريّتين؟المسلسل دراما اجتماعية تتحدث عن عائلة ورب هذه العائلة. هو رجل قضى حياته يحاول الانتقام لأيّام التهميش والفقر إلى أن أصبح ثرياً وصاحب نفوذ. وكما تعايش مع الحقبات السابقة، يحاول التعايش مع الظروف الحالية، وبالتالي إنّ مصير كل عائلته يرتبط به.

ونحن اعتدنا في مجتمعاتنا أن يصبح مصير أبناء أصحاب النفوذ والمال في المشاريع التجارية العائلية مرتبطاً بمصير الآباء على خلاف الغرب. أما عن فكرة اقتباسه عن الفيلم الشهير، ففي رحلة بحث بسيطة ستجد نحو 100 مسلسل عربي متأثرة برواية «العرّاب» لماريو بوزو لأنّ كل دراما تقدّم قصة الأب الروحي المطلق الصلاحية في عائلة ذات نفوذ، تستفيد بشكل أو بآخر من فكرة «العرّاب»، بما في ذلك المسلسل الصعيدي «أفراح إبليس» (إخراج سامي محمد علي) الذي جسّدت بطولته. الأهمية الكبيرة بالنسبة إلى الرواية هو زرع الفكرة ضمن بيئة محدّدة، وهي المافيا الإيطالية التي تغلغلت في الولايات المتحدة ودخلت القصة ضمن بنية الشخصيات النفسية وحياتها الاجتماعية وكواليسها. هذا البعد هو ما منح العمل أيقونيته. مسلسلنا لم يقتبس من الكتاب بقدر ما جعل منه ومن الفيلم مرجعية أفاد منها في بعض الأحداث المفصلية وتركيبة الشخصيات. ولا أجد ضيراً في تقديم عملين دراميين من النمط نفسه.

■ لكن لا بد أنّ مقارنات ستحصل بينكم وبين نجوم الفيلم الأصلي. هل يمكن فعلياً مقارنة ممثلين عرب وسوريين مع ممثلي هوليوود؟ وهل يحق لنا أن نسأل إن كان ممكناً أن تحققوا الصدى نفسه الذي حققه المعلم مارلون براندو وغيره من الممثلين المكرّسين عالمياً؟
المشاهد العادي لا يدخل في هذه المقارنات لأنّها تعني المتخصصين بالنقد فقط، ولا أعرف ما الداعي لها. كل ما نفعله تقديم حكاية وشخصيّاتها ليبقى السؤال حول منطق هذه الشخصيات ومدى قدرتها على الإقناع ومقاربتها لبشر حقيقيين موجودين في الحياة، فضلاً عن أنّ المقارنة أصلاً لا تجوز للاختلاف في ظروف وطبيعة العمل. المقارنة تحصل بين فيلمين هوليوديين أو بين مسلسلين عربيين، لا بين مسلسل عربي وفيلم هوليوودي. من جهة أخرى، هناك أدوار قدّمها ممثلون عرب قبل أن يلعبها ممثلون أجانب، مثل شخصية الشيخ البدوي التي قدّمها غسان مسعود في مسلسل «فنجان الدم». هي أفضل من الشخصية نفسها التي لعبها أنطونيو بانديراس في فيلم «الذهب الأسود».

■ انتهيت من تصوير مسلسل «وجوه وأماكن» (اسم مؤقت) عن قصة لهيثم حقي وإخراجه وسيناريو غسان زكريا وخالد خليفة. عرّفنا ـ باختصار ـ بالعمل ودورك؟ وهل صحيح أنه لم يسمح إلا للمعارضين بالعمل فيه؟
العمل يقدم ثلاث حكايات مستقلة، لكل واحدة شخصياتها. أجسد بطولة «وقت مستقطع» مع يارا صبري وسوسن أرشيد ومجموعة من الممثلين الشباب. في القصص الثلاث نواكب مرحلة استيقاظ حلم الشعب السوري بدولة ديموقراطية مدنية ليقدم العمل نماذج من ناشطي الحراك السلمي في الأشهر الستة الأولى من عمر الثورة عندما كانت تصدح حناجر هؤلاء في التظاهرات «سلمية والشعب السوري واحد». كل ذلك من خلال قصص اجتماعية وتفاصيل حياتية نرصد مدى تأثرها بالأحداث وكم أثرت الثورة بها. من جهة أخرى، من المؤكد أنه لم يكن مقصوداً أن يكون العمل للمعارضين، لكن صار ضرورياً أن تمتد الأيادي لممثلين سوريين شرفاء اتخذوا مواقف وطنية واضطروا إلى مغادرة بلدهم وجرى إقصاؤهم بشكل كلي، وأن تتبنى شركات الإنتاج مشاريع هؤلاء بنحو ينسجم مع حجمهم وحضورهم الحقيقي. فارس الحلو ويارا صبري من نجوم سوريا الكبار. لا يمكن مثل تلك الأسماء أن تكون مهمشة. يعمل معنا أيضاً عدد كبير من ممثلين التزموا الصمت ولم يبدوا أي مواقف، إلى درجة أن إحدى ممثلات العمل نزلت في إجازة إلى سوريا، لكن لم تسمح لها السلطات بالعودة للتصوير واقتيدت للتحقيق عن كل الأشياء ما عدا موضوع المسلسل! هناك من خلق بلبلة حول فكرة التصوير في تركيا، وساق اتهامات في منتهى الإسفاف، رغم أن الموضوع يتعلق فقط بطبيعة جغرافية شبيهة بسوريا وإمكانية التصوير فيها مثلما تصور أعمال في لبنان والإمارات ومثلما كنا نصوّر في المغرب سابقاً من دون أن يكون الأمر مرتبطاً بموقف سياسي إطلاقاً.

■ يتهمك بعضهم بالتردد على صعيد موقفك السياسي المعارض للنظام السوري، خصوصاً أنّك انضممت إلى «الائتلاف الوطني» وغادرت سريعاً، ثم شاركت مع مجموعة شخصيات معارضة مستقلة في مبادرة ودخلتم أخيراً في مؤتمر حواري في موسكو مع ممثلين عن النظام والمعارضة من أطياف أخرى. أنت فنان ناجح وتحتل جزءاً من الصدارة، ما الذي يأخذك إلى أماكن قد لا يحالفك فيها النجاح، ولن تكون على أي حال في موقع موازٍ لمكانتك الفنية؟

يشارك في مسلسلي
«سفينة نوح» و«وجوه وأماكن»

في ما يتعلّق بـ«الائتلاف الوطني»، عُرض عليّ الانضام إليه، كما حصل مع كتلة من السوريين الليبراليين والوسطيين والوطنيين بهدف تخفيف سيطرة الإخوان المسلمين وحلفائهم عليه. وكان هناك حديث عن «مؤتمر جنيف2» وعلى المجالس المعارضة أن تكون ممثلة بشكل أوسع ممّا هي عليه الآن. فكرت وترددت، لكن في النهاية وافقت مبدئياً. لكن عندما ذهبوا للاجتماع من أجل التصويت على انضمامنا، وجدت أنّ هناك مساومات كبرى وأنّ ما قيل سيتحقق مشوّهاً، وشعرت بأن لا مكان لي، لذا لم أنضم ولم أحضر أي اجتماع. أنا لا أتبرّأ من الائتلاف، لكن أروي موضوعياً ما جرى. لدي موقف نقدي حاد إزاء الكثير من الكتل داخل الائتلاف ولطريقة عمله، لكن لدي ضمنه أصدقاء سوريون وطنيون. لم يكن لي مصلحة في وضع نفسي مع جماعة سياسية، وبطبيعة الحال لست محتاجاً للشهرة ولا للمال. لست ثرياً، لكن لدي ما يكفيني للعيش بكرامة، وفرصي كممثل ما زالت ممتازة، وما زلت أقف على قدمي رغم كل الظروف الصعبة. من جانب آخر، البحث عن الصدارة والنجاح في المهنة حق مشروع، لكن البحث عن الصدارة في القضية الوطنية أمر غير وارد، ما أقوم به هو واجب وحق وطني لم أشعر بأنّني قادر على التقاعس عنهما لأنّني سوري، وهذا وطني وهو مهدّد بالاضمحلال والتشظّي والتفكك. فهل يجب أن أتجاهل الموضوع كأن القصة لا تعنيني؟! يفترض أن أدافع عنه ضمن إمكاناتي وأدواتي كفنان. لست مليونيراً ولا عسكرياً يقود كتيبة مسلحة، إنّما ممثل منحه الجمهور الرضى والحب والاحترام، وأضعف الإيمان أن أقدّم رأيي لهذا الجمهور، وليس هناك أحد ملزم بتبنّيه. منذ اليوم الأوّل، قلت إنّ العنف سيؤدي إلى صدامات مجتمعية لا أحد يضمن مسارها، وكشفت الأيّام عن صوابية هذا الكلام، ولو اكتشفت أنّني مخطئ لوقفت واعتذرت بوضوح عن كل كلمة قلتها. المشكلة أنّ هناك من روّج دعايات أو تقبّلها بنشاط مفرط، وكل المعارضين الوطنيين تعرّضوا لحملات تشويه من طرفي النزاع. عموماً، نحن مستمرّون في المبادرة التي انطلقت من القاهرة، وأتمنى ألّا يكون الفشل حليفنا بسبب كل الظروف الدولية الصعبة. بسبب ظروفنا كمعارضة، كنّا في كثير من الأوقات أقل من حجم المسألة الوطنية التي نتصدّى لها. أحاول فهم الخلاف بين شخصيات وهيئات معارضة ولا أستطيع معرفته سوى أن كل جهة تريد تصدّر الصف الأول! أما على الصعيد الشخصي، فقد كنت وسأبقى دائماً رجلاً منفتحاً على محاورة كل سوري قابل للحوار مهما كان انتماؤه، وهم غالبية السوريين الباحثين اليوم عن الخلاص.

■ وما الحل برأيك الآن، وكيف الخلاص؟
الخلاص في استعادة وطننا السوري الموحّد في ظل دستور ديموقراطي مدني يكفل الحريّات العامة وحرية التعبير، ويجعل السلطة فقط موضعاً للتداول السلمي ويكفل العيش في دولة القانون بشكل حقيقي. هذه هي المصالح الوطنية العليا، وكل من يتنافى معها لن يكون له مكان في سوريا. يجب أن يكون هناك حل وطني لا يقتصر على «تبويس الشوارب»، بل حل يأخذ في الاعتبار أنّ غالبية السوريين يطمحون إلى الانتقال إلى دولة قانون ومواطنة وتبادل سلمي للسلطة، والجميع لا يمانعون ذلك، حتى وإن لم يطالبوا به. كل ديموقراطية تأتي من الخارج ليست ديموقراطية، لأنّها تُركَّب وفق مصالح معيّنة. ما حصل في العراق إبّان الغزو الأميركي خير دليل على ذلك. لذا لا بد من مشروع سوري يوحّد البلد ضد أي أطماع أو مشاريع خارجية.

■ قبل أيام، خرج نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان، عبر تلفزيون «الجديد» ليهدّدك مجدداً مع بعض زملائك بالفصل من النقابة، وليقول إنّه يشتم من تصريحاتك «رائحة البترودولار». كيف ترد؟
تذكرني حاسة الشم عند «رقيب الفنانين» بحاسة الشم عند «بدري أبو كلبشة» في مسلسل «صح النوم»، مع الأخذ في الاعتبار طبعاً الفرق الشاسع بين الحضور الكوميدي اللطيف والموهبة لصالح الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي الذي أدّى الشخصية. بينما تسحل المعاناة والمأساة السورية ما بقي من أمل لدى هذا الشعب المكلوم بأي مستقبل، أخجل وأنا أرد على ترّهات من هذا النوع، والدخول في مماحكات مع هذا الرقيب. إذا كان يقصد بـ«البترودولار» المحطات الخليجية، علينا تذكيره بأنّه إذا توقفت هذه الشاشات عن شراء الأعمال السورية، فسيجلس حضرته في منزله. لست ضد المحطات الخليجية ولا ضد العمل في مسلسلات تنتجها، لكنّني أوصّف الواقع لأنّ «رقيب الفنانين» هو من يعيش على مسلسل «باب الحارة» منذ سنوات. وأعتقد أنّ تمويل هذا العمل ليس روسياً، بل من إنتاج MBC. الحال نفسها بالنسبة إلى لمخرج نجدت أنزور الذي كانت غالبية أعماله من إنتاج خليجي.

■ نلاحظ عليك تغيّراً واضحاً في طريقة تعاطيك مع عامة الناس من السوريين الذين تلتقيهم في شوارع البلدان التي تزورها. هذ الأمر مرتبط برغبتك في زيادة رصيدك عند هؤلاء، أم أنّه انعكاس الأزمة على طريقة تفكيرك وتعاطيك مع جمهورك؟
الأزمة غيّرت تفكيري وقرّبتني من الناس. أن تجلس في صومعتك وتقفل بابك، هذا شأنك، لكن لا يحق لك الاعتراض إذا لم يسمعك أحد. ولا يمكن أحداً أن يعتقد أنّه أفضل من شريحة كبيرة من السوريين، بل يمكن اعتبار أنّ هؤلاء أحسن منه لأنّهم قدّموا تضحيات أكثر. لذا لا بد من سماع كل الناس على اختلاف أطيافهم، بمن فيهم الشديد التمسك بالنظام، أو المتطرّف في مواقفه المعارضة. صار لا بد من قول كلمة نقتنع بها لنناقشها مع الناس حتى تثبيت صدقيتها أو العكس.

■ «حمودي» ابنك. كيف تصف لنا علاقتك به، خصوصاً أنّه جعلك تعيد النظر في الحياة عموماً، وربّما دفعك إلى مقاربة الأشياء بطريقة مختلفة؟
صرت أباً لطفل وحيد هو «محمد». وأنا رجل عمره 56 سنة لم أعد أفكر بنفسي على المستوى الشخصي. أفكر في ولدي وأين سيعيش ويدرس ويتزوج وأي جنسية سيحمل. عندما غادرت سوريا، كان عمره ثلاث سنوات، لكن ذاكرته عن بلده لا تزال قوية. أشعر بأنّني ملزم تجاهه إن كتب لي العمر بأن أدرّسه في جامعة جيّدة. من واجب كل سوري أن يسعى إلى إعادة أبنائنا إلى وطنهم، لأنّه حتى لو حملنا أي جنسية، سيظل اسمنا لاجئين أو مهاجرين. أما في بلدنا، فنحن أسياد، لكن في وطن العدالة والمساواة، لا وطن تنهكه المؤامرات ويستولي عليه الشبيحة ويستفرد به الإرهابيون. نحن غالبية السوريين ونحن من سنبقى في أرضنا.

■ لو ابتعدنا عن العواطف، هل تتوقع أنّك ستكون على موعد قريب مع جمعة الأصدقاء المعتادة سابقاً في «مقهى الروضة» الدمشقي؟
طبعاً. لكن لا يزال أمامنا متسع من الوقت.

■ على طريقة أفلام الكرتون، لنفترض أنّك امتلكت «آلة الزمن» وعدت بنا إلى 15 آذار (مارس) 2011 وكنت صاحب قرار. باختصار، ماذا كنت ستفعل حتى تجنّب سوريا كل هذه الكوارث؟
أدعو إلى مؤتمر وطني عام وشامل، وأعلن مبادئ دستورية جديدة، وأؤسس لجنة تأسسية منتخبة لكتابة دستور، كما أعلن سوريا منذ الآن دولة ديموقراطية.