حتماً، لم يخض النبي موسى معركته ضد فرعون في بلدة القماطية، وهو قطعاً لم يدفن في أرضها، لكن البلدة الواقعة في قضاء عاليه تحتضن مقاماً يقول أبناء البلدة إنه للنبي موسى. هذا المقام يعرفه ويزوره قلة، بيد أن «القماطيين» يثقون بشفاعته وبركته. أما عن سبب وجود المقام في البلدة، فتتقاطع إجابات القماطيين على أن النبي موسى مرّ في بلدتهم.
لا يشبه مقام النبي موسى في القماطية غيره من المقامات الدينية، فهنا لن يصادف قاصد المكان زحمة زوّار أو صرحاً ضخماً أو قبة مذهبة. وحدها لافتة صغيرة تدل الزائر إلى المقام. وخلافاً للمقامات الدينية الأخرى، تحضر البساطة والزهد في المقام المؤلف من غرفة واحدة، يتوسطها ضريح وسياج حديدي. حتى إن زجاج بعض النوافذ محطم، فيما دهان الجدران قديم ومتهالك. لكن هذه التفاصيل لا تبعد القماطيين عن مقامهم «نأتي إلى هذا المكان لقيمته وبركته، لا بسبب مظهره ومنظره» يقول أحد الزوار.
قديماً، لم يكن المقام موجوداً، بل كان عبارة عن «عليّة» مكوّنة من صخور قديمة، قبل أن يشيّد القماطيون في خمسينيات القرن الماضي المقام والضريح الرمزي فوق العلية. ورغم عدم وجود مرجع ديني تاريخي يؤكد صحة «هوية» هذا المقام من عدمه، إلا أن أبناء البلدة يفضلون تصديق روايتهم عنه، مستندين في ذلك إلى أقوال أجدادهم عن مرور النبي موسى في بلدتهم من جهة، وإلى قصص عديدة عايشتها البلدة من جهة أخرى.
يكرّر البعض قصة أم أيمن، جارة المقام، التي كانت ترمي أوساخ ابنها الرضيع بجانب العلية. بعدها رأت في المنام من يطلب منها التوقف عما تقوم به ويحذرها من عواقب فعلتها، ولم تكترث، فإذا بابنها يتوفى بعد أيام قليلة. قصة أخرى يتداولها أبناء القماطية، ومفادها أن جورة للصرف الصحي كانت قد أنشئت بالقرب من العلية، لكن جدرانها انهارت بعد ساعات قليلة، رغم أن أحداً لم يلمسها. وفي الليلة نفسها، رأى صاحب الأرض بدوره مناماً يعلمه بوجود مقام النبي موسى في أرضه. يومها تأكد القماطيون من صدقية المكان وبنوا المقام فوق العلية. كما يذكر الأهالي جيداً الطريقة اللافتة لدخول الجنود الصهاينة إلى المقام أثناء الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، فيقولون إن الاسرائيليين كانوا مزوّدين بخرائط دقيقة وبدوا كأنهم على علم مسبق بمكان المقام!
ظهيرة كل جمعة تصلي مجموعة من السيدات داخل المقام. «اعتدنا منذ الصغر على الصلاة في المقام... كبرنا، لكن المقام بقي على حاله، لم يتحسن أو يتطور». تقول زينب ذلك بشيء من الأسف. كما تتكثف الزيارات خلال المناسبات الدينية والأعياد، فتضاء الشموع ويُزيّن المقام. لكن الهدف من الزيارة لا يقتصر على الصلاة والدعاء فقط، ثمة من يزوره بهدف إيفاء النذورات، كما هي حال فاطمة.
تخبرنا، بعدما وضعت مبلغاً مالياً في صندوق النذورات أنها تنذر للمقام كلما واجهت مشكلة صعبة.
ولا تقتصر النذورات على المال فقط، إذ ينذر بعض القماطيين أغراضهم الشخصية للمقام، وهذا ما قد يفسر وجود ساعات وسجاد وأدوات كهربائية في المكان الضيّق.
لم يعتد جيران المقام وأهالي البلدة استقبال الكثير من الزوار، لكنهم يسارعون فور رؤيتهم زواراً غرباء إلى مرافقتهم والإجابة عن استفساراتهم حول المكان. لكن هل يأخذ المقام حقه من الاهتمام والتسويق؟
يقول عضو لجنة وقف القماطية طلال جعفر إن المقام بحاجة إلى تطوير وتأهيل مستمر، متحدثاً عن خطة لتحسينه من الداخل. لكنه يعتبر أن وقوعه في حي شعبي ضيق لا تبلغه السيارات يحول دون توسعته ليستقبل أكبر عدد ممكن من الزوار، وإن كان يعترف بوجوب وضع خطة لترويج المقام وتعريف الناس به، ولا سيما أن المقام لا يزال مجهولاً لعدد كبير منهم.