قبل ثلاثين عاماً لم يفكر سليم شميطلي في تحنيط الحيوانات التي اعتاد عليها منذ طفولته. وهو الذي ورث هواية الصيد عن والده وجدّه، والعائلة بكاملها. بعد سفره إلى ألمانيا للعلاج، قرّر تعلّم مهنة التحنيط التي تعرّف إليها هناك، فخضع لدورات تدريبية وعمل بشكل غير شرعي بدايةً لإكتساب الخبرة. ثم حمل خبرته وعاد إلى لبنان.
اعتمد شميطلي على المجهود الذاتي، وتطوّر شيئاً فشيئاً ليصل إلى ما هو عليه الآن. فهو صاحب «مركز التحنيط الفني» في منطقة الجناح، المركز الأضخم للتحنيط في لبنان. شهد عمله «عزّاً» بين عامي 1988 و1990. ولأنه يسعى دائماً الى التقدم، لم يحب العمل في البلدان العربية التي تنقل فيها اول حياته المهنية حيث لم يجد من يعطي التحنيط حقه، فيقول إنهم يهتمون بالكمية لا
بالنوعية.
لا يتعدى عدد المحنطين في لبنان أصابع اليد الواحدة ولكنها أصبحت مهنة مشهورة عالمياً بحسب شميطلي. فعلى سبيل المثال، وصل عدد المحنطين في المكسيك إلى 35 ألفاً. وقد أكسبت هذه المهنة سليم التعرّف إلى شخصيات كبرى في المجتمع اللبناني التي تحب الصيد وتهوى التحنيط كذكرى لرحلاتهم في العالم، لكنه يرفض ذكر أسماء لعدم رغبة أكثرهم بالظهور. وهناك شخصيات تطلب منه أن يرافقها في رحلاتها ليقوم بعملية إزالة الجلد مباشرة وبعد أن يصل الى بيروت يكمل عملية التحنيط. هذه الرحلات التي يُدعى إليها محبو الصيد في محميات أفريقيا والأمازون وذلك للحفاظ على التوازن البيئي ولئلا تنتصر الحيوانات التي يصبح عددها بالآلاف على فصائل أخرى.
يعرف سليم من خلال خبرته إذا كان الحيوان قد مات بطريقة طبيعية، أو اصطيد. وهذا يلزم الزبون توقيع ورقة تخلي المسؤولية عن المحنّط. يلتزم سليم بالمعايير الشرعية التي تحرّم قتل الحيوانات بهدف تحنيطها، فيقول: «الحرام هو ما حرّمه رب العالمين وغير ذلك لا دخل للعبد».
في المركز الفني للتحنيط يسلخ سليم جلد الحيوان بطريقة تسمى skinning ويضع له الملح حتى يزيل الحرارة والمياه. وبعد أن يوصي على قالب بوضعية الحيوان التي يريدها يلصق الجلد ويخيطه. لا يمكن تحريك الحيوان بعد صنع القالب إلا أن الطير أكثر سهولة حيث أن قالبه عبارة عن شرائط يمكن تحريكها. وبعدها يأتي العمل الأصعب وهو تركيب العين وهي من الكريستال. وكل حيوان له حجم حدقة معينة: الغزال 18 مم، الأسد 32 مم، الثعلب 4 مم، الفيل 46 مم، الزرافة 42 مم... ويستعمل الريشة الدقيقة جداً لتلوين مدمع عين الغزال لتبدو على طبيعتها.
لدى سليم العديد من الكتب التي تفصّل حياة الحيوان، وجسمه. وهو يعتمد عليها في كل خطوة لأنه يريد أن يبيّن وضعية الحيوان على طبيعتها. لكنه يعتمد أيضاً على الطيور المختلفة الأنواع التي يربيها لسببين: أولهما شغفه بها وثانيهما حرصه على مراقبتها، لأنه عندما يريد أن يضع تفاصيل الحيوان عليه أن يعرف نظرته ووقفته وطريقة تصرّفه في حال تعرّضه للخطر مثل وقوف أذنيه في الوضع الهجومي.
عائلة سليم أصبحت كلها شغوفة بالحيوانات والتحنيط. زوجته أصبحت تحب الحيوانات «على محبتي». أما ابنه البالغ من العمر عشر سنوات فيهوى مادة العلوم ويتابع الأفلام الوثائقية التي تصور حياة الحيوانات. يحلم سليم ان يورث هذه المهنة لأولاده، لكنه يفضل في الوقت نفسه أن يصبحوا أطباء بيطريين ليعتنوا بالحيوانات. هو يعلم أنه كلما تعلّم المحنّط أكثر، كلما وصل إلى مراكز أعلى «لأنها مهنة مطلوبة في المتاحف البيئية ــــ العلمية».
يهدف سليم الى إنشاء متحف خاص به، وينتظر الدعم المادي والمكان المناسب بعدما أخذ الموافقة من الدولة منذ عشر سنوات وهو ينتظر التنفيذ. المتحف الذي يحلم بإنشائه «يحاكي تاريخ الحيوانات المنقرضة والطيور المهاجرة، ويمكنه أن يكون هدفاً تعليمياً لتلاميذ المدارس خاصةً، ولكل المواطنين بشكل عام». وفي الانتظار، يوجد لدى سليم الكثير من الحيوانات التي قد تمكّنه من إنشاء متحف، وهي تضمّ أسودا وغزلانا ونمورا وفهودا وأنواع طيور مختلفة غير موجودة في لبنان.
لم تمرّ مهنة شميطلي النادرة من دون طرائف. يروي عن طفل كان جاره في محله القديم في بيروت وكان يبقى عنده، وذات مرة كانت أمه مستاءة من أفعاله فرفعت يديها الى السماء وقالت «يا رب صبّرني» فبادر الطفل بالقول «ماما جارنا سليم بيصبّر» (يحنّط). وهناك من يقول له «بدي حنّط حماتي».