دمشق | في أحد الفنادق الدمشقية التراثية في حي «باب توما»، التقينا فريق عمل مسلسل «حرائر» (تأليف عنود الخالد، وإخراج باسل الخطيب، وإنتاج «المؤسسة العامّة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي») الذي يسلّط الضوء على مرحلة مهمة من تاريخ سوريا. تدور الأحداث في دمشق بين عامي 1915و1920، بينما كان الفرنسيون على الأبواب، عبر حكايةٍ من «شقيّن»، وفق ما يوضح المخرج باسل الخطيب لـ«الأخبار»: «الأول تاريخي وتوثيقي، والثاني افتراضي».
ويضيف: «يتناول الأوّل شخصيات نسائية دمشقية معروفة، مثل نازك العابد (1887 ــ 1959)، وماري عجمي (1888 ــ 1965) اللتين كان لهما دور رائد في النهضة الاجتماعية وحركة التنوير مطلع القرن العشرين. ثمّة شخصيات درامية أوجدت، لتكون الحامل الرئيس للأحداث والعلاقات، والتمازج بين الخطيّن التوثيقي والافتراضي. هذا ما يشكّل قصّة «حرائر»، ليكون العمل بمثابة تحيّة للدور التنويري الذي قامت به المرأة السورية خلال تلك الفترة».
ستجسّد شخصية العابد الممثلة نجلاء الخمري. أمّا عجمي فأُسند دورها إلى الممثلة جيانا عنيد. خياران، أعرب الخطيب عن ثقته بهما لناحية القدرات الأدائية، وفرضتهما «الحقيقة التاريخية المرتبطة بهاتين الشخصيتين»، خصوصاً على مستوى «الشكل».
في الجانب الافتراضي للحكاية، تلعب الشخصيتان التاريخيتان دوراً مهماً في حياة البطلة «بسيمة» (سلاف فواخرجي) التي «لفتها مجتمع النساء الحقوقيات والمتعلمّات، وساعدها الاحتكاك بهن في تحقيق نقلة كبيرة جداً، كسيّدة دمشقية.

العمل تأليف عنود الخالد، وإخراج باسل الخطيب، يضيء على نساء رائدات في المجتمع السوري


تحدّت ظروفها، وظروف عائلتها، ورفضت الخنوع أو الاستكانة للمعايير الاجتماعية السائدة، وأصبحت تعرف الفارق بين «حُرمة» وامرأة من حقها أن تتعلم، وتعلّم بناتها، وتطالب بحقوقها وحقوقهن، كالحق في الإرث، كما تعيش حياتها بملء إرادتها». هكذا تصف لنا فواخرجي الشخصيّة، مشيرة إلى أنّ بسيمة تشهد «تحوّلات كبرى، لتحقق كيانها الخاص وتصبح امرأة حرّة، فيما يمكن اعتباره تكثيفاً لتحوّلات المشهد النسوي السوري، ودخول المرأة مجالات أوسع».
في المقابل، يمثّل تاجر الأقمشة «صبحي» (أيمن زيدان) الصورة الذكورية في أبرز تجليّاتها. فهو رجل تقليدي، وغرائزي، يرى أنّ قبر المرأة بيتها ولديه مواقفه المتعنّتة، وقوانينه الصارمة تجاهها.
مشاهد عديدة رصدتها «الأخبار» في موقع التصوير، يرفع فيها الرجل المتسلّط صوته، معلناً سطوته المطلقة على زوجتيه «فايزة» (صباح الجزائري) و«ألفت» (ندين سلامة)، وابنته «زبيدة» (ميسون أبو أسعد)؛ يتحدث بكلماتٍ قاطعة لا تخلو من حس الدعابة، محمّلاً «حريمه» مسؤولية أجواء «النكد» في البيت الذي تسوده علاقات متشابكة بين أفراد العائلة الواحدة، وصراعاتٌ تتعلّق بالشأن العائلي، أو الشأن العام، في مرحلةٍ حاسمة من تاريخ سوريا.
لكنّ «بسيمة» زوجة أخيه المتوفي، هي مَن تقف في وجه «صبحي» الذي «يحاول ممارسة سطوته التقليدية عليها، عبر رغبته بالزواج منها، ومحاولة إملاء شروط الحياة المقبلة عليها. مواجهة يصفها زيدان بـ«الملفتة»، معتبراً أنّها «نوع من المرافعة أو الدفاع عن صورة المرأة الشاميّة التي قُدّمت في دراما البيئة كسجينة الجدران الأربعة. يحاول هذا العمل تصحيح جزء من هذه الصورة».
بطولةٌ ذكوريّة أخرى تبرز في العمل عبر شخصيّة «سعيد» (مصطفى الخاني) الذي تربّى على القيم والتقاليد السائدة و«يعيش صراعاً بين أن يُغضب والده (صبحي) الذي لا يمتثل لتلك القيم، أو الصدام معه وتطبيق ما تعلمه وتربّى عليه من قيمٍ أخلاقية ودينية». يؤكد الخاني أنّ «الشخصية تمر بصراعاتٍ كثيرة، يحاول خلالها (سعيد) البحث عن نفسه، ويكتشف أن العالم أكبر من عائلته الصغيرة، وينتقل عبر مجموعة دوائر تتسع، ويتسع معها عالمه، ومفاهيمه، وصولاً إلى مفهوم الوطن. هكذا يشارك في الحراك لطرد العثمانيين من البلاد، ثم يلتحق بجيش يوسف العظمة لمواجهة الفرنسيين في ميسلون. وبالتوازي مع ذلك يعيش قصة حب مع ابنة عمّه التي تعاني انعكاسات العلاقة المتوترة بين أبيه ووالدتها».
«حرائر» عمل تاريخي ــ معاصر و«لا علاقة له بالشكل السائد لما بات يُعرف بأعمال البيئة الشاميّة، إذ يتناول العلاقات الإنسانية والواقع الاجتماعي السائد في دمشق خلال الفترة التاريخية التي يرصدها من منظار أوسع». هذا ما يؤكده المخرج باسل الخطيب، لافتاً إلى أنّ التصوير سيستمر حتى حلول شهر رمضان، ليكون بين قائمة العروض الرمضانية لموسم 2015. ويضم على قائمة أبطاله أيضاً نجاح سفكوني، ومحمود نصر، ونورا رحال، وتولين البكري، وكفاح الخوص، ويحيى بيازي، وعلاء قاسم، وغادة بشور، وروبين عيسى، وفنّان الشعب رفيق سبيعي، وممثلين كثر
آخرين.