تدرج السياحة ضمن ما يسمى الهوايات التي يلجأ إليها الفرد للتمويه عن نفسه والتخلص من ضغوط الحياة، فيكون التصنيف على أساس بيئي أو ديني أو عائلي أو حتى جنسي. لكن عندما نحكي عن «سياحة التهريب» يكون الهدف أكثر من هواية، أو رغبة في الترويح عن النفس. إنه بحث عن حياة أفضل. أو كما يقول أحد العاملين فيها «إنها هروب شرعي». ذلك أن الراغب في مغادرة بلاده والوصول إلى «الدولة ـ الحلم» بالنسبة إليه، لا يفعل ذلك هذه المرة عبر طرق غير شرعية.
«هذه السياحة لا تتم عبر البحر أو في القوارب، ولا تعرّض صاحبها لخطر كبير على حياته. يحصل المسافر على أوراق رسمية مئة في المئة للسفر كسائح، وتجرى الاستفادة منها للوصول إلى بلدان مستقرة والبقاء هناك». والأهم أن الدولة المقصودة، والتي يتم دخولها بنجاح، لا تكون غالباً وجهة المسافر النهائية «بل تجرى الاستفادة من تأشيرة الشينغن مثلاً للانتقال من دولة اوروبية الى أخرى أوضاعها أحسن».
عدد قليل من اللبنانيين يلجأ اليوم إلى هذه الطريقة، مستفيداً من الاوضاع الأمنية المتوترة ليبرّر حاجته إلى الحماية في الدول التي يذهب إليها. منهم من يكون «محظوظاً» في حال التقطت له الكاميرا صورة خلال هذه الأحداث، فيحملها معه بديلاً من جواز السفر الذي يتخلص منه مباشرة فور وصوله إلى الدولة المرجوة. يقدّمها إلى السلطات هناك، ويحظى بالحماية.
عدنان شاب أنهى دراسته الجامعية في الهندسة من الجامعة اللبنانية. حاول الالتحاق بالجامعة في ايطاليا، فقدّم كامل أوراقه واستدان الكفالة المصرفية من خالته، ورغم نيله القبول من الجامعة هناك وخضوعه لدروس في الايطالية، إلّا أنه رُفض ولم يمنح تأشيرة الدخول. اليوم يفكر بما يسميه «الهروب الى اوروبا بطريقة مشروعة. أسعى إلى دخول دولة قريبة، ومن ثم أنتقل الى ايطاليا وأقوم بتسوية أوضاعي فأنا حصلت على قبول من الجامعة». ويشير إلى أن هناك العديد من الأشخاص قاموا بذلك «دفعوا شوي أكثر ومشي الحال انشالله كون مثلهم».

حاجة سورية

لكن حظوظ النجاح بالنسبة إلى اللبناني تبقى أقلّ بكثير من تلك التي يحظى بها السوري في الدول الغربية. لذلك، بات هذا النوع من «السياحة» متداولاً في أوساط السوريين الذين ضاقت بهم سبل الحياة في الدول التي لجأوا إليها، ومنها لبنان. وتجدر الإشارة إلى أن السوريين ينقسمون إلى فئات. فمن دخل لبنان بصورة غير شرعية، يستخدم طريقة أخرى لمغادرته مثل الهروب الى تركيا عبر القوارب البحرية بشكل غير شرعي. ومؤخراً نشطت بعض الوكالات بالترويج لرحلات خاصة للسوريين حصراً مقابل مئة وخمسين دولاراً أميركياً. لكن الأمر ليس بهذه البساطة.
أحمد، شاب سوري دخل لبنان مع بدايات الثورة في سوريا. كان يعمل في مجال البناء والدهان، ويروي أنه كان يتنقل بين منازل أخوانه واقاربه بين صوفر والبقاع للإقامة عندهم. ولكن مع بدء الدولة اللبنانية بتشديد ظروف الإقامة، توجه إلى «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» في محاولة للحصول على لجوء الى احدى الدول الأوروبية. طبعاً، طال انتظاره كما الآلاف من مواطنيه. ومع تقليص الأمم المتحدة تقديماتها للسوريين، ازدادت أزمته المالية ولم يتمكن من تشريع اقامته في لبنان. هكذا توجّه منذ فترة إلى طرابلس علّه يجد من يساعده في الهروب الى تركيا ومن ثم الى أوروبا «ربما عبر اليونان» يقول. لكنه يعترف بأنه حاول كثيراً طلب المساعدة من الناس ليعرّفوه إلى مهرّبين ولا يزال يجد صعوبة في الوصول إليهم.
اسكندر سوري آخر يسعى إلى مغادرة لبنان. هو يقيم مع عائلته عند أخته المتزوجة من لبناني في منطقة المنصورية. وعلى الرغم من عدم ممارسته أي عمل في لبنان، بدأت السلطات اللبنانية تطالبه بالحصول منهم على رسم إقامة ورخصة عمل «كيف بياخدو منا بدل على رخصة عمل ونحن لا نعمل؟!». برأيه «يجب أن يعاملونا على أساس أننا لاجئون. لماذا نتحمّل نحن عدم التنسيق بين الأمم والحكومة اللبنانية؟». بسبب هذا الواقع، بات يفكر جدياً بالسفر إلى أوروبا، والطرق التي يسمع عنها ممكنة التطبيق «كما يقال».

مسؤولية وكالات السفر

يؤكد حسام (لا يحبّذ ذكر اسم عائلته)، صاحب وكالة للسياحة والسفر في الشمال، أن سياحة التهريب ليست جديدة «كل عمرها كانت مزدهرة، والأشخاص الذين يعملون في هذا المجال منتشرون على مختلف الأراضي اللبنانية وليست هناك منطقة واحدة تنشط فيها». لكنه يعترف بأن أزمة اللجوء السورية دفعت هذه المسألة الى الواجهة «صارت تحت الضوء، في البداية كانت مقتصرة على حالات محدودة، ولكنها الآن أصبحت تتمّ بالآلاف». ويرفع المسؤولية عن مكاتب السفريات «التي لا تستطيع معرفة ما إذا كان الشخص ينوي الهرب. فهي تعمل في التجارة وما يهمها هو بيع التأشيرة». لكنه يوافق على أن السوريين اليوم هم الاكثر سعياً للسفر، خصوصاً أن حظوظهم في النجاح مرتفعة «يستطيع السوري أن يحصل على اللجوء حيثما حلّ وذلك خلال 15 يوماً. حتى في أفقر الدول الأوروبية أما غير السوري بما فيه اللبناني فالأمر غير متيسّر له».

وكيف يجري الأمر؟

يجيب: «في السابق كان التهريب يجري عن طريق الجزائر بصورة أساسية، وهناك من بات يتوجه مؤخراً إلى موريتانيا، ومن ثم يتم الانتقال براً إلى الجزائر أو ليبيا حيث يوجد المهرّبون نحو أوروبا عن طريق البحر». مضيفاً أن «اللجوء إلى أوروبا يتم عن طريق إيطاليا لأنها الأقرب بين منافذ التهريب وغرب أوروبا، أما غير السوري فيعتمد تركيا منفذاً له عن طريق العصابات الناشطة هناك».
ويوضح أن الوصول الى اوروبا الشرقية لطالما كان أسهل «السوريون يحصلون على تأشيرة بشكل تلقائي في روسيا وبلاروسيا، أما أوكرانيا فقد بدأت مؤخراً بتشديد الإجراءات في ظل تقاربها مع الغرب». وعن الوجهة الأخيرة للهاربين يؤكد وسام: «اللاجئون لا يبقون في ايطاليا وانما أكثريتهم تتجه نحو دول اوروبا الغربية الغنية، وأعتقد أن الوجهة المفضلة هي السويد التي جهّزت خلية أزمة لاستقبال 175,000 لاجئ عام 2015». وبلغة الخبير يقول إن «السويد لا يمكنها توقيف الهجرة إليها، لأنها تحتاج الى فريق عمل ضخم كلفته أكبر بكثير من كلفة استقبالهم على أراضيها. كما أن السويد ابتكرت شكلاً جديداً من الإقامة لتلك الشريحة يتم اعطاؤهم إقامة موقتة لا تخولهم اكتساب الجنسية وانما هي موقتة ومن ثم يعادون بعد نحو 5 سنوات الى بلادهم».