امرأة عارية ومذعورة تهرع إلى الحمام حيث تسجن نفسها وتغرق في البكاء، بينما يبرز الوشم الضخم الملوّن الذي يغطي كامل مساحة ظهرها. هذه اللقطات هي الأولى من فيلم Everly الذي وصل أوّل من أمس إلى الصالات اللبنانية، من إخراج جو لينش، وبطولة النجمة المكسيكية ــ الأميركية الشهيرة سلمى حايك.
بعدها، تقترب الكاميرا ببطء، ونرى وجه «إفيرلي» (حايك) التي تحاول بصعوبة تمالك نفسها وتُخرج من الكيس الذي خبّأته في الحوض أدواتها استعداداً للمعركة المقبلة. المسدس والهاتف الذي لا يقلّ أهمية عن الأوّل. إنّه صلتها السرية مع العالم الخارجي منذ احتجزها رئيس العصابة «تايكو» (الممثل هيرويوكي وتانابي) في الشقة منذ أربع سنوات. تستدير وفي غضون ثوانٍ تتحوّل إلى محاربة متمرّسة. هكذا، تُطلق النار مردية جميع الرجال في الخارج، فتتناثر جثثهم في كل ركن من الغرفة. هذه فقط مقدمة المعارك الدموية والطاحنة التي على وشك أن تشهدها هذه الشقة الصغيرة التي لا يخرج منها أحد حياً.
لا تهدف «إفيرلي» إلى الدفاع عن حياتها لأنّها بحكم الميتة بعد اكتشاف «تايكو» تعاونها مع الشرطي الذي قام بقتله، وأرسل لها برأسه داخل هدية. لكن «إفيرلي» كما بطلة فيلم Kill Bill لكوينتن تارنتينو تحارب من أجل ابنتها الصغيرة وحمايتها من انتقام «تايكو» الذي يهدّد بسجنها وتحويلها إلى مومس، كسائر الفتيات المستعبدات، ومنهن «إفيرلي». هذه الأخيرة هي المفضّلة لديه ويعدّها ملكيته الخاصة. صحيح أنّ الشريط لا يقترب من أسلوب تارنتينو من حيث المستوى والحبكة، لكن نجد تقارباً مع صورة المرأة المحاربة كما في ثنائية Kill Bill التي ــ وللتناقض ــ تستمد قوّتها وشراستها من أمومتها التي هي أيضاً مصدر رقتها. بخلاف الرجل المحارب في أفلام التشويق، يشكّل الأطفال الاستثناء الوحيد الذي يتوقّف عنده القتال بين النساء. المرأة المحاربة تتعاطف حتى مع أعدائها إذا تعلّق الموضوع بالأمومة أو بالأطفال، كما نرى في Kill Bill عندما تعلم البطلة أنّها حامل فتتفق وعدوّتها على إلغاء المعركة. في «إفيرلي»، تتراجع إحدى بائعات الهوى اللواتي أرسلهن «تايكو» لقتل «إفيرلي» بعدما تطلب منها الأخيرة إمهالها الوقت الكافي لإنقاذ ابنتها، ولو أنّه يبدو غريباً الإصرار على إضافة هذا التفصيل النمطي إلى صورة المرأة المحاربة، كأنّما لإضفاء صدقية معيّنة على الشخصية، رغم أنّ هذا النوع من التشويق مبني أساساً على مبدأ اللامعقول.
يطغى على الفيلم حس من الفكاهة السوداوية التي قد تكون فجة أحياناً، كما الجملة المتكرّرة كلّما دخل أحد الشقة ورأى جثث المومسات اللواتي قتلتهن البطلة: «هنالك الكثير من بائعات الهوى الميتات هنا»، في حين تعترض «إفيرلي» على التسمية في كل مرّة قبل إطلاق النار. إجمالاً، يخفّف حس الفكاهة من هول الدماء التي تسفك والمبالغة في حبك أحداث التشويق. أحداث ــ رغم المتعة التي تجسّدها ـ تُعتبر أقرب إلى السادية. وتكتمل هذه المتعة مع قدوم شخصية «السادي»، بحسب ما يُعرّف عن نفسه لـ«إفيرلي»، مصحوباً بتابعه «المازوشي»، وبزمرة من المتنكّرين بأقنعة من المسرح الياباني. يُخرج «السادي» ما يحتاج إليه من علبة ماكياجه السادية المكوّنة من أنواع مختلفة من الأسيد الحارق، ليعيد «تشكيل وجه» الجميلة «إفيرلي»، وفق ما يقول بعد سجنها في قفص. لولا فظاعة مشاهد الحرق بالأسيد وتحلل الأجساد، لكاد المشهد أن يكون طريفاً بسرياليّته، إضافة إلى مشهد «المازوشي» الذي يصعب قتله، فكلّما وجّهت «إفيرلي» ضربة له ازداد ابتهاجاً.
بطبيعة الحال، تفتك البطلة بالسادي وأتباعه، وتطير بين الصواريخ والقنابل، إلى أن نصل إلى المواجهة النهائية مع «الشيطان تايكو» الذي تشطره حرفياً إلى نصفين. وبالرغم من هول المشاهد المعروضة، إلا أنّ الشريط بإيقاعه وأسلوب تصويره والمؤثرات الخاصة جيّد نسبياً، نظراً إلى نوع التشويق الذي يقدّمه. هو يوفّر بخفته وحسّه الساخر إمكانية مشاهدته من منظور مختلف. كأنّه يسخر ضمناً من كل المبالغات التي تعتمدها أفلام التشويق عبر تصويرها بطريقة أقرب إلى الكرتونية أحياناً. لكنّه إن أُخذ على محمل الجد أو السخرية، ما مِن سبب يفسّر كل تلك الاستعراضات الدموية التي يحتفي بها الفيلم. أما سلمى حايك، فبأدائها المتواتر بين الدرامي والساخر، فتنجح في إضفاء صدقية على الشخصية وتقريبها إلى المشاهد.

* صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «سينما سيتي» (01/995195)