تدخُل عبر الباب الحديدي لقبو المنزل لتتفاجأ بالتاريخ والحضارة يطلان في كل زاوية منه. هذا ما انتهت إليه هواية أحمد صادق، المواظب منذ ثلاثة عقود تقريباً على جمع القطع والأدوات التراثية. منذ صغره، استهوته «الأنتيكة»، يبحث ويجمع كل ما وقعت عليه يداه طامحاً بإقامة معرض يُذّكر الأجيال بماضي جدودهم... إلا أن ضيق المكان أجبره على تكديس هذه الثروة قطعةٌ فوق الأخرى في القبو، ما يعرّضها للرطوبة بسبب التخزين. فاضطررنا لإخراج كل قطعة على حدة لرؤيتها وتفحصها ومعرفة كيفيّة استخدامها.
بدأ أحمد تجميع هذه القطع الأثرية بعدما أُعجب بأدواتٍ قديمةٍ كانت في منزل جدّه. أخذها، وراح يبحث عن غيرها. «الكراكيب» التي كان الجيران يرغبون برميها كانت مجموعته الثانية. ثم بدأ يشتري من محالٍ تختص ببيع هذه القطع. يعرف معظمها، ويبقى دائماً على اتصالٍ مع أصحابها في حال وصلهم أي شيء جديد، أو بالأحرى قديم من دون أن يهتم كثيراً بسعرها. ولم يتردّد مرة في فك قنطرة من منزل قريبه الذي أراد إزالتها، علّه يعيد بناءها يوم يقيم المعرض. أبرز ما يحويه هذا القبو أدوات كانت في وقتٍ ماضٍ تشكّل تجهيزات أساسيّة لكل منزل، نستعرض بعضها:

تحضيرالطعام

- الوقيدة: هناك نوعان من «الوقيدة»، واحدة خارجية تستعمل أمام المنزل، مصنوعة من الطين على شكل حدوة حصان. وأخرى داخلية تستعمل في المنزل تشبه الوقيدة الخارجية وتزيد عليها بفتحةٍ في الخلف يوضع فيه أنبوب يخرج عبره دخان الحطب المشتعل. كان يُشعل الحطب داخلها ويوضع فوقها قدرٌ مصنوعة من النحاس لطهو الطعام.
- موقدة الصاجة: هي أيضاً مصنوعة من الطّين تأتي على شكل دائرة غير مكتملة يوضع فوقها صاجٌ من معدن. يُشعل داخلها الحطب ويُخبز العجين على الصاجة لنحصل على رغيف الخبز.
- الأواني النحاسيّة: الطنجرة للطهي «اللّكن» أو «الدست» للعجين أو حتى للغسيل.
- الجُرن: وهو حجر جبلّي ثقيل الوزن. في وسطه دائرة عميقة، كعبه مسطّح. يُستعمل لدقّ اللحمة والكبّة بواسطة «مدقّة» مصنوعة من الخشب. يأتي بأشكال وأحجامع دّة.
- الجاروشة: وهي عبارة عن حجرين دائريين، على شكل أسطوانة، فوق بعضهما البعض. لها فتحة في الحجر الأعلى وثقبٌ تغرز فيه قطعةٌ من الخشب. وظيفتها طحن القمح والحبوب. توضع الحبوب من الفتحة العليا، و يُحرّك الحجر الأعلى عبر القطعة الخشبية بشكلٍ دائريّ لتنزل الحبوب مطحونة من الأطراف. وتأتي بعدّة أحجام.
- المنقل: وهو كانون الفحم. مصنوعٌ من نحاس يُستعمل داخل المنزل للدفء ولغلي القهوة تحديداً.
- المصبّ: وهو إبريق القهوة العربيّة مصنوعٌ من النحاس.
- الببّور: وهو موقد مصنوع من النحاس، يشتعل بالكاز.
- المهباج: يُستعمل لطحن البن. كما يُستعمل كآلة موسيقيّة. وهو مكوّن من قطعتين مزخرفتين من الخشب: عصا غليظة وجرن.
- محامص البن: هناك نواعان من المحامص. الاثنتان مصنوعتان من المعدن. واحدة تستخدم على الببّور، وأخرى على المنقل. توضع داخله حبوب البن لتحميصها على هب النار.
مطاحن البن: تأتي بعدّة أشكال وأنواع منها الحديدي ومنها الخشبي. توضع داخلها حبوب البن المُحمّص وتُطحن يدويّاً.

المؤونة

- دغاية الحبوب: وهي عبارة عن حجرٍ جبليّ طويل مستدير مفرّغ من الداخل وله فتحة دائرية صغيرة أسفله. استُخدمت الدغاية لتخزين الحبوب. حيث كانت تُعبّأ بالحبوب عبر فتحةٍ واسعة أعلاها. يُقفل أسفلها بقطعةٍ من القماش تزال لتنزل الحبوب إلى الإناء وتُعاد إلى مكانها عند نيل الحاجة.
- الجرّة: وهي إناء مصنوع من الفخّار. تأتي بعدّة أحجام وأشكال. كانت تستخدم أيضاً لتخزين المونة.
- سلال القش: وهي كما يدل اسمها سلالٌ مصنوعةُ من القش. كانت تُستخدم لعدّة أغراض مثل تخزين الخضار والفواكه وحتى لضب الملابس والأقمشة.
- الأواني الفخاريّة: وهي أطباق مصنوعة من الفخار كانت تستخدم للأكل وللتقديم.
- صندوق العروس: وهو صندوق خشبي مُزخرف ومُزيّن. يوضع داخله «جهاز العروس» ويُنقل عند الزواج من منزل أهلها إلى منزل زوجها.

أدوات للمهن:

- قالب الطربوش: وهو عبارة عن قالب نحاسي دائري الشكل. مكوّن من قطعتين: واحدة يوضع عليها «طربوش الباشا» وأخرى تُسخّن على الببّور وتُسقط فوق الطربوش على القالب بهدف كيّه.
المكوى: وهو مصنوع من المعدن لكي الملابس والأقمشة. هناك نوعان من المكاوي: مكوى الفحم يوضع بداخله جمرٌ. ومكوى الببّور يُسخّن على هب الببّور.
المحديلة: حجرٌ جبليّ دائري ثقيل الوزن. تمرّ داخله حديدةٌ تشكّل يده. كان يُستخدم لـ«حدل» (تنعيم) السطح ورصّ طينه منعاً لتسربّ المياه إلى داخل المنزل.
يطمح أحمد بإقامة
معرض يعرّف الأجيال الجديدة إلى تراثها

- دولاب الغزل: وهو عبارة عن دولاب خشبي مثبّت بقضيب طويل على قاعدتين يتغيّر طولهما بحسب طول صاحبه. كان يُستخدم لغزل وحياكة بيوت الشَعر والـ«بِلْس» أي المداسات من شعر الماعز.
- الراديو: المذياع القديم. في بداية الأمر كان يُستخدم «الدولاب» للتنقل بين الإذاعات القليلة. وغطاء مكبّر الصوت مصنوع من القش الناعم وقالب الخشب. ثم تطوّر وأصبح الغطاء مصنوعٌ من المعدن الرقيق. ثم انتقل إلى مرحلة «الكبسات» أي الأزرار للتغير بين المحطات في قالب وواجهة بلاستيكيّة.
كل ذلك وأكثر بكثير موجود في قبو أحمد. بين الرطوبة وتسرّب الماء وسوء التخزين ثروةٌ ثقافيّة وحضارةٌ تتبدّد. وفي حاضرنا اهتمامٌ بتكنولوجيا العصر وإهمالٌ لقيمةٌ جماليّة وحضاريّة لا تُقدّر بثمن. آثار تُحكى عنها حكاياتٌ تجسّد زمن.