دباديب في «الفترينات». دباديب على الأرصفة. دباديب على العربات الخشبية. دباديب في كل مكان. إنه «موسم» الفالنتاين. موسم الدباديب... يعني. هذا الكائن الذي صار «علامة» كالخروف في عيد الأضحى، ولكن بلا دماء، والحمدلله. من منّا لم يتلقّ دبدوباً في مرحلة من حياته، سواء من الأهل أو من الحبيب. لكن، مهلاً، لم «الدبدوب» والأحمر بالذات؟ كيف أصبح هذا الكائن «الدب» رمزاً للحب والرومانسية؟ علماً، وكما هو متعارف عليه، بأن صفة الدب تطلق على الكائن غير اللطيف.
نستخدمها في يومياتنا بغرض الإهانة، كأن نقول مثلاً «العمى شو دب» أو العتب اللطيف «فعلاً إنّك دب». فكيف أصبحت تلك اللعبة المحشوّة وساطة في الغرام؟
حتى أم أحمد «الختيارة» تعلّقت بالدب. كانت تحمله بين يديها كالطفل، تهدهده وتمنع أحداً من الاقتراب منه، سمّته أحمد، وعندما تسألها: من هو أحمد؟ يأتيك الجواب سريعاً، بأنه الابن الذي ربّته ولكنه تخلّى عنها. هو الابن الذي أرضعته عندما جفّ حليب «ضرّتها»، اعتنت به حتى صار شاباً، فأدار لها ظهره ورحل. حينذاك، لم تجد سوى الدبدوب لتعوض حرمانها من ولدها. يروي لنا ابن شقيقها (الذي تكفل بعنايتها والاهتمام بها بعد تخلي ابنها عنها) بأن هذا الدبدوب منذ حوالى السنة لم يفارق ذراعيها. تحديداً، مذ رماه أحد الأطفال في حضنها، قائلاً: «حلو هيدا الولد، شو رأيك تربيه؟». ربّته كأنّه أحمد.
في إحدى المرات، عندما سقط زر من الزرّين من وجهه، أي إحدى عيني الدبدوب «أحمد»، جنّ جنون الأم. صارت تبكي، متوسلة أن يأخذوه إلى الطبيب لمعالجته. وعندما لم يطاوعها أهل المنزل الذي تعيش في كنفه، هربت بحثاً عن طبيب. لكن لحقها أقرباؤها وأعادوها إلى المنزل وبقيت تبكي وتنوح لأيام. مع الوقت، تقبلته بعين واحدة ونسيت أمر علاجه. تمضي ساعاتها كلها معه: في النهار تحدثه وتعده بملابس جديدة، تعده بأن تشتغل بـ»الفاعل» لتحصّل المال وتشتري له ما يريد. وفي المساء، تنام بقربه.
ترى، ما سر هذه العلاقة العاطفية التي تعيدنا إلى الدبدوب؟ بحسب علم النفس، ارتباط الحب بالدبدوب مردّه إلى نوع من «النوستالجي» إلى لحظات جميلة في طفولتنا، والذي هو في مكان ما تعويض عن مرحلة الانفصال عن الأم. لذلك تزخر طفولتنا بالدباديب وبغيرها من الألعاب المحشوة، التي يسميها العالم النفسي البريطاني دونالد وينيكوت «أغراض انتقالية»، إذ يُعد التعلق بالدبدوب وغيره من «الأغراض الانتقالية» بمثابة الطريق نحو الاستقلالية، حيث يتعلق الطفل بالدبدوب بسبب غياب الأم. هكذا مثلاً، يصبح الدبدوب رمزاً للأمان وتعويضاً عن حنان «الأم الغائبة». ولأن هذا «الشيء» ليس وحيداً في لائحة الأغراض الانتقالية، إلا أنه يبقى هو الأشهر بسبب الدعاية والشهرة التاريخية التي اكتسبها «تيدي بير» بعد حادثة الرئيس روزفلت عام 1902. الذي دُعي إلى إحدى رحلات الصيد، حيث ربطوا له دبّاً وطلبوا منه إطلاق النار عليه. لكنه رفض واعتبر أن ذلك غير إنساني. وفي اليوم التالي، نشرت «واشنطن بوست» كاريكاتير يصوّر الرئيس روزفلت متعاطفاً مع دب صغير. الأمر الذي ألهم أحد أصحاب محال الألعاب في نيويورك لاختراع لعبة جديدة أسماها «تيدي» تيمّنا بالرئيس «تيودور روزفلت». ومنذ ذلك الوقت، راج الدبدوب وأصبح رمزاً للحب والتعاطف.
غالبية الناس لا تعرف هذه القصّة طبعاً، فالدبدوب أو «تيدي بير» هو «كيوت ومهضوم»، لا أكثر ويضفي إلى الهدية خفّة وظرافة. فبالنسبة لسالي، ابنة الـ17 ربيعاً، يذكرها الدبدوب بحبيبها الذي باستطاعتها احتضانه ساعة تشاء!
أمّا «رولا»، 21 سنة، فقد كان الدبدوب أول هدية من حبيبها منذ 5 سنوات. وفي كل سنة، يكبر عن السنة التي مضت، تعبيراً عن الحب الذي يكبر مع الوقت. وعلي، الذي يحرص على شراء الدبدوب في جميع المناسبات التي تخصه وحبيبته، إلا أنه في عيد الحب له طقس خاص، إذ يجب أن يكون أحمر. أمّا لماذا الدبدوب؟ فهو لا يعلم بطبيعة الحال، فطوال عمره يسمع بأن «البنات بتحب الدباديب»، وعليه فقد اعتاد على إهدائه.
أما خالد، صاحب أحد المحال التجارية التي «احمرّت» واجهاتها مع بداية شهر شباط، فيعتبر هذا الأمر مناسبة للربح، ويقول: «بصراحة ما بلحّق ع دبادبب، الكبير والصغير، الكل بدو يشتري دبدوب أحمر»، ويؤكد أنها لا تتأثر بأية أوضاع اقتصادية «يعني الشاب لو بدو يتدين، بدو يجبلا دبدوب أحمر».
بالنسبة إلى معظم العشاق، شراء الدبدوب هو عادة لا أكثر. إضافة جميلة لا علم لهم برمزيتها، ولا بأية رموز أسطورية قد يحملها هذا «الدب»، ولكنها «بتجي ضمن أجواء العيد». عيد الفالنتاين الذي هو ككثير من المناسبات تحوّل إلى حدث تجاري بامتياز.
لكن لماذا دبدوب وليس أية لعبة أخرى فهي مسألة تجارية؟ لعبة رأسمالية قطعاً!