شهد النصف الثاني من القرن العشرين حركة تحررية واسعة قادتها الشعوب المستعمَرة في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وأفريقيا وأميركا الجنوبية، ضد الدول المستعمِرة كفرنسا وبريطانيا وهولندا، حيث دأبت هذه الدول على مر مئات من السنين على سرقة ثروات مستعمراتها من أموال وذهب ومحاصيل زراعية، إضافة إلى استقدامها بعض سكان تلك البلاد إلى أراضيها لاستعبادهم أو لمعاملتهم كبشرٍ من الصف الثاني في أفضل الأحوال.
اليوم تحوّل أحفاد هؤلاء الذين استُقدموا إلى أوروبا إلى مواطنين أوروبيين، وفيما تستمر معاناتهم للاندماج بمحيطهم، وجد بعضهم ملاذاً في الرياضة، وبالطبع لم تفوّت الاتحادات الرياضية الأوروبية الفرصة للاستفادة منهم.
شهدت بعض منتخبات كرة القدم الأوروبية على غرار المنتخب الفرنسي «غزواً» أفريقياً، حيث أثبت الأفارقة الفرنسيون علوّ كعبهم في هذه اللعبة، مسيطرين على تشكيلة المنتخب الفرنسي الفائز ببطولتي كأس العالم عام 1998 وكأس أوروبا عام 2000. وضمّت تشكيلة «الديوك» الأساسية خلال المونديال المذكور 6 لاعبين من أصول أجنبية، هم باتريك فييرا المولود في السنغال ومارسيل دوسايي المولود في غانا والنجم الجزائري الأصل زين الدين زيدان، إضافة إلى تييري هنري وليليان تورام المولودين في جزر غوادلوب الكاريبية، وأخيراً كريستيان كارامبو المولود في جزر كاليدونيا الجديدة القريبة من أوستراليا. وقد انتقد بعض الفرنسيين ندرة مواطنيهم الأصليين في المنتخب، فيما وجد آخرون في قلّة «فرنسية» المنتخب مدعاة للسخرية، لكن الأمر لم يزعج الاتحاد، طالما أن هذه التشكيلة كانت تحصد البطولات. والجدير بالذكر أن سياسة الاتحاد الفرنسي لم تتغير حتى اليوم، إذ لا يزال الفرنسيون ذوو الأصول الأجنبية يشكلون أساس المنتخب الفرنسي، أبرزهم من دون شك مهاجم ريال مدريد الإسباني كريم بنزيما الجزائري الأصل، ولاعب وسط نادي يوفنتوس الإيطالي بول بوغبا ذو الأصول الغينية، لترسخ مرة أخرى فكرة استفادة فرنسا من الدول التي انتدبتها أو كانت وصيّة عليها، بحيث إن استعمارها السياسي انعكس فائدة في مجالات عدة، كان آخرها في العصر الحديث المجال الرياضي وتحديداً الكروي حيث حصدت المجد بفضل سواعد من عاملتهم بعبودية في الماضي البعيد.
مثال آخر على استفادة الدول الاستعمارية سابقاً من شعوب مستعمراتها هي هولندا، التي حصدت لقبها القاري الأوحد بفضل جهود أحفاد المهاجرين، حيث قاد الثنائي فرانك ريكارد ورود غوليت ذوا الأصول السورينامية، إلى جانب النجم ماركو فان باستن، المنتخب البرتقالي إلى إحراز لقب كأس الأمم الأوروبية عام 1988. وعلى غرار نظيره الفرنسي، استمر الاتحاد الهولندي في السير على النهج نفسه، بحيث لم يعد بالإمكان تخيّل منتخب هولندا من دون السوريناميين، الذين لولاهم لكان «البرتقالي» مجرد منتخبٍ عادي، ومن دون مبالغة جسر عبور للمنتخبات الأوروبية الأخرى. ففي كأس العالم 1998، اعتمد المنتخب الهولندي على 8 لاعبين من أصول سورينامية، 6 منهم كانوا نجوماً على مستوى عالٍ جداً، هم باتريك كلايفرت وكلارنس سيدورف وإدغار دافيدز ومايكل رايزيغر وجيمي فلويد هاسلبانك وبيار فان هويدونك، إضافة إلى جيوفاني فان برونكهورست، الإندونيسي الأصل، وقد دفعت هذه التشكيلة الكثير من المتابعين إلى اعتبار أن المنتخب السورينامي لو وُجد وضمّ هؤلاء اللاعبين، لكان قد نافس بقوة على اللقب العالمي.
من جانبه لا يزال المنتخب البرتغالي يحصد منافع احتلال البرتغال لدول عديدة في ما مضى، فكان في لائحة المنتخب المشارك في كأس العالم الأخيرة في البرازيل 6 لاعبين من أصول غير برتغالية، أهمهم النجمان بيبي، البرازيلي الأصل، وجناح نادي سبورتينغ لشبونة البرتغالي ناني المنحدر من أصول تعود إلى جزر الرأس الأخضر، ليسير هؤلاء على خطى أبرز نجم كرة تخرّج من المدارس البرتغالية، أي أوزيبيو ذي الأصول الموزمبيقية.
إذاً حتى بعد مرور عقود طويلة على انتهاء زمن الاستعمار المباشر، لا تزال دول الاستعمار السابقة تحصد المنافع، لكن المؤكد هو التالي: لو كان للتاريخ مجرى مغاير في بعض فتراته، لكنّا قد رأينا اليوم، من دون شك، منتخبات أفريقيّة تنافس نظيراتها الأوروبية والأميركية الجنوبية على عرش الكرة العالمية.