انطلقت كرة القدم منذ 144 عاماً، حينها كان الملعب رملياً ويدير المبارة حكمان فقط، ويرتدي اللاعبون سراويل طويلة وأحذية في أسفلها كرات حديدية، حتى إنهم كانوا يضعون وسائل الحماية فوق جواربهم. لم يكن أي لاعبٍ يهتم بتصفيف شعره، ولم يكن يحصل أي لاعب فائزٍ على جائزة كبيرة. كانت كرة القدم رياضة لا تبغي الربح.
في عام 1872 فاز فريق مؤلف من قدامى تلاميذ مدارس رسمية ولاعبو جامعات ببطولة كأس إنكلترا الأولى. كان دخول ملعب المباراة مجانياً، وحضر اللقاء نحو 2000 مشجع. أما جائزة الفوز بالبطولة، التي تساوي اليوم مليوناً و800 ألف جنيه إسترليني، فلم تتجاوز حينها 20 جنيهاً إسترلينياً، هو ثمن الكأس!
وهذه المسابقة نفسها أسهمت في ارتفاع حدّة المنافسة في البلد الأم للعبة إنكلترا، إذ بعدما كان يتدرب اللاعبون من دون الحصول على أي بدلٍ مادي ويقومون بأعمال أخرى إلى جانب كرة القدم، تبيّن في عام 1879 أن نادي لانكشاير يدفع رواتب للاعبَين مميزين في صفوفه، هما فرغي سوتر وجيمس لوف، وهذا ما قاد إلى اعتبار كرة القدم مهنة قانونياً في عام 1885.
بلغت قيمة
أول صفقة انتقال في تاريخ الكرة 100 جنيه إسترليني


لكنّ كان هناك إجراءً قانونياً لإبقاء اللعبة خارج السيطرة المادية، فوُضع سقف للرواتب لا يتجاوز 4 جنيهات إسترلينية في الأسبوع، في عام 1901، ثم رُفع إلى 8 جنيهات إسترلينية في الأسبوع عام 1902، إضافة إلى «مكافأة وفاء» للنادي بلغت قيمتها 650 جنيهاً إسترلينياً، وذلك في حال استمرار اللاعب مع ناديه لخمس سنوات.
سعى هذا القانون إلى الحفاظ على حق النادي بعائدات انتقال أي لاعب حتى بعد انتهاء عقده، وذلك بهدف عدم السماح بسيطرة الفرق ذوي الإمكانات المادية الكبيرة على البطولات، ما يجعل المنافسة أكثر كروية منها مادية، وقد سُجّل أول انتقال للاعب كرة قدم في عام 1893 للاعب ويلي غروفز الذي ترك فريق وست بروميتش ليلتحق بنادي أستون فيلا. أما قيمة الصفقة، فكانت تساوي 100 جنيه إسترليني فقط.
القانون الذي سعى إلى حماية اللعبة، لم يتنبه إلى أن اشتداد المنافسة والانتشار سيرفعان الصراع المادي في كرة القدم إلى أعلى نقاطه، وهذا ما أسهم بتسجيل ارتفاع خيالي في أسعار اللاعبين، فانتقل دييغو مارادونا في عام 1984 من برشلونة الاسباني إلى نابولي الايطالي مقابل 5 ملايين جنيه، لكن بعد 30 عاماً سجّل الويلزي غاريث بايل بانتقاله من توتنهام هوتسبر إلى ريال مدريد أغلى صفقة في العالم، بلغت نحو 85 مليون جنيه إسترليني.
هذا النمط التصاعدي إذا ما دلّ على شيء فهو على مدى هيمنة عالم الأعمال على كرة القدم بشكل كامل في أيامنا هذه، والأهمية التي باتت تكتسبها كرة القدم كرياضة على الصعيد المادي. وتجسّدت هذه الأهمية المادية بالبرتغالي كريستيانو رونالدو الذي بات ثاني أكثر الرياضيين دخلاً في العالم، حتى إنه تخطى ليبرون جيمس الذي يعدّ نجماً على مستوى اللعب وعلى مستوى التسويق في عالم المستديرة البرتقالية.
وبالطبع أجبر هذا التضخم وتحقيق الأرباح في عالم كرة القدم، دخول هذه الرياضة في لعبة رجال الأعمال والشركات التي باتت اليوم طرفاً ثالثاً في استملاك اللاعبين. من هنا، يصف رئيس الاتحاد الأوروبي للاعبين المحترفين مات سلاتر نظام الانتقالات القائم في الاتحاد الدولي «الفيفا» بأنه يشجع على المضاربة غير الأخلاقية وغير القانونية على غرار امتلاك طرف ثالث للاعبين. ويأتي هذه القول من خلال تقارير تحدثت عن أرقام مجنونة مثل احتمال انتقال الأرجنتيني ليونيل ميسي مقابل 250 مليون يورو، في الوقت الذي يذهب فيه نحو 28% من أموال الانتقالات إلى هذا الطرف الثالث.
تبدو سوق كرة القدم عالماً مفتوحاً على مزيد من الثراء، كذلك فإنها تعتبر عالماً جاذباً لكبار رجال الأعمال الذين قاموا بشراء أندية في الأعوام القريبة الماضية على غرار مانشستر سيتي بطل إنكلترا ومواطنه تشلسي وباريس سان جيرمان الفرنسي. ويضاف إلى ميزات الكرة أنها أصبحت عالماً للنفوذ السياسي والاقتصادي كما في برشلونة وريال مدريد الإسبانيين، فباتت الأصفار تزيد منذ مطلع القرن الماضي لتصل إلى الملايين حالياً.