هل جارك سوريّ الجنسية؟ طبعاً، العلاقة بين اللبنانيين والسوريين طويلة. من المؤكد أنك تجاور أحدهم، أو تعمل معهم، أو أي شيء من هذا النوع. هذا ليس «طارئاً» كما يصرّ البعض على القول. على كل حال، استغل هذه اللحظة، ولا تفوّت على نفسك فرصة سؤاله عن «الأخلاقيّة»، ولا تتردد أبداً بتسجيل «فيديو» للواقعة أثناء سرده لمغامراته مع «الأخلاقيّة»، لتعود إليها كلما أردت التنفيس عن غضبك وتضحك قليلاً. شباب سوريا جميهم، فلنقل معظمهم، نال «حصته التأديبيّة»، في فرع «الأخلاقية» التابع لشرطة الآداب.
مهمّة الأخلاقيّة، أخلاقيّة بحتة، ومضحكة. كانوا يحرسون «البنات» أمام مدارسهن، من «تلطيش» الشباب لهن، فإذا مرّت سيارة تابعة لهم، انتشر الشباب في كل الاتجاهات، وتبدأ مغامرات الكر والفر اليوميّة. وإن تمكن «الأخلاقيّون» من إلقاء القبض على أحد هؤلاء الشباب الـ«لا أخلاقيين» تفننوا بحلاقة شعره على «الصفر»، أو «الواحد» إذا كانوا متسامحين، وهي أحد أشهر موديلاتهم، مع المناسب من الصفعات. تعرفون، الصفع: تربيّة معاصرة! شباب سوريا، كانوا زبائن مداومين، اعتادوا مواكبة «موضة» حلاقة الشعر تلك، وراحت تزيد ثقتهم بأنفسهم أكثر، فمن نفد منهم، روى لأصدقائه بالمدرسة مغامرات نجاحه بالهروب، ومن لم ينفد، افتخر برجولته برواية مغايرة للأولى، وربما، يصبح بطل المنطقة لاحقاً.

وماذا إن كان هؤلاء العناصر «الأخلاقيّة» متنكرين مدنيّاً؟
هنا الفكاهة.

إياك أن تمشي في شارع بسوريا مع شقيقتك، وحيدَين، من دون اثبات لصلة القرابة بينكما. فسيشك بأمركما «أخلاقيّاً». أما اذا كنت مع صديقتك، فهنا المصيبة. الا أنّ شباب سوريا فهموا الدرس تماماً. يبدو هذا مبالغاً فيه، لكن لا أحد يعرف موعد «الكبسة». فجأة، قد يأتي رجل بثياب «مدنيّة»، يطلب منك ولاعة لسيجارته، ويسألك عن الفتاة التي ترافقك، ويبدأ بتهديده المحفوظ عن ظهر قلب، وكأنه شريط مسجل يعاد ويكرر، «من الي معك؟ شو عم تعملوا مع بعض؟ شو رأيكون اذا شحطتكون هلأ عالفرع...» وقد تضطر الفتاة إلى مسايرة المجتمع، فتخاف على «صيتها» من رجال «الأخلاقيّة»، ففي حال ذهابها إلى الفرع قد تتعرض للـ«بهدلة» والفضيحة أمام أهلها والجيران. غير أن ثمة شبان تمرّسوا في الهروب. صاحب الخبرة كان يعلم تماماً ما يتوجب القيام به. قد يتمشى مع «العنصر» قليلاً، وينتهي حديثهما بـ«اكرامية» بقيمة 200 ليرة سوريّة. اكرامية وليست رشوة. هكذا يسمونها، فيعترض عنصر «الاخلاقيّة» المتنكّر على المبلغ، لأنه غير كافي، ليعده الشاب بزيادة المبلغ بعد أن يتخرج من المدرسة الثانوية ويلتحق بالجامعة، فيتباوسان، ويعود الشاب إلى صديقته، ويكملا المشوار.

ماذا عن فصل الشباب عن البنات في المقاهي والمطاعم؟
هنا الفكاهة أيضاً.

إنها حقيقة. وقد يبدو هذا مبالغاً فيه، لكن أشياء مثل هذه كانت تحدث أيضاً. كانت المطاعم عبارة عن أقسام، قسم للشباب، قسم للبنات، وقسم آخر للعائلات، حيث يتبادل الجميع النظرات من دون احتكاك مباشر. لذلك، معظم شباب سوريا مهذبون. لا علاقة للثقافة والقيم بذلك، دعكم من هذا، لا تصدقوا شيئاً من هذا. الأخلاق سببها «الأخلاقيّة»، وكما يعلم الجميع، فلطالما كانت أفرع الأمن هي العين الساهرة على المواطن السوري! و«الأخلاقيّة»، للمناسبة، من «ألطف» الفروع، «الساهرة» طبعاً. ورغم أن فرع «الأخلاقيّة» هذا قد حُلَّ منذ أكثر من 5 أعوام، أي قبل الحرب، ما زال التهديد به هو مصدر رزق وفير لبعض عناصر الأمن «الساهرين» حتى يومنا هذا.