منذ عامين، كانت «جولي» تعرج وحدها في منطقة عنّايا، على طريق مار شربل، عندما لفتت نظر أحد أعضاء جمعية «بيتا» لحماية الحيوانات. لفتهم بجولي كاحلها المكسور، كما تقول مديرة الجمعية مونى الخوري. وتقول خوري إن الحمارة التي سموها «جولي»، تخلّى عنها صاحبها بعدما انكسر كاحلها، لأن الحمار إذا أصيب بكسرٍ في الكاحل، يعجز عن العمل.
في معظم الحالات، هنا في لبنان، يقوم صاحب الحمار أو الحصان بقتله إذا كسر رجله، لكن صاحب «جولي»، قرر منحها حريّتها وإفلاتها على الطريق، لكي تموت وحدها في الثلج، بعيداً عن مزرعته. بيد أن النجاة كتبت لها. لم يكن مصيرها الموت، فتحدّت البرد والوجع وأكملت مسيرتها، إلى أن وصل بالصدفة مخلّصها (أو مخلصتها) عن طريق «بيتا»، حيث نُقلت إلى ملجئهم في منصوريّة المتن.
اليوم، تعيش جولي في ملجأ «بيتا» حياةً تحلم بها أي «حمارة». تستيقظ في الصباح على نباح الكلاب، وتعرج أمام منزلها الخشبي في حارتها المعزولة. يأتي كل يوم موظّف الجمعية ليطعمها، وأحياناً تغامر بالكزدورة خارج الملجأ لتأكل من الحشائش في الجوار. يزورها متطوّع أو آخر في بعض الأيام ويأتي خبير مرة أو اثنتين في العام ليتفقّد حوافرها وينظفها.
الجميع يحب جولي في الملجأ، الصديقة الصبورة والأمّ الحنونة. نعم، لدى جولي ولد غيور لا يفارقها لحظة. اسمه «سيليكون». «سيليكون» هو كلب أسود وفيّ أتى إلى الملجأ عندما كان جرواً صغيراً، بعدما وجده أحد المتطوعين في مبنى قيد الإنشاء. كان مغلّفاً بمادة السيليكون، لأن العمال اعتبروه تحفة لا روحاً، ولأنهم أفرغوا ضجرهم على جسده الضئيل. منذ لحظة وصول «سيليكون» إلى الملجأ لم تشعر جولي بالوحدة، إذ صار الجرو الصغير جارها. ومنذ تلك اللحظة، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها خوفاً من نباح «سيليكون» الكلب، الذي يظن أن الحمارة هي والدته، كما يقول المشرفون على الملجأ.
ليست جولي أول حمارة تزور «بيتا»، فقد وجدوا قبلها حماراً آخر على الطريق وأحضروه إلى الملجأ، لكنه لم يتقبل «عيشة الكلاب». لم يستجب لنمط العيش هناك، وفضل الرحيل وحده إلى مزرعة حمير قريبة: لقد أراد الانتماء وتهمّه هويّته كحمار. علميّاً، الحمار أذكى مما يظن الناس هنا بكثير.
تقول خوري إن الحمار «من أذكى الحيوانات»، وعندما يشتم أحداً الآخر بـ«حمار»، فهو فعلياً لا يهينه. لكن يعتبرونها إهانة هنا استناداً إلى موروث قديم، مفاده أن الحمار صبور، يحمل على ظهره ما يفوق إمكاناته ولا يتذمر. يعمل بلا مقابل ولا يأخذ إجازةً أو يتقاعد. لحظة تقاعده هي لحظة انتقاله من المزرعة إلى القبر. ويأتي بعده حمار آخر ليعمل هو أيضاً حتى الموت. وهو في ذلك يشبه الإنسان تماماً.