لو أردنا أن نحصي عدد ورود كلمة «الكرة الذهبية» طيلة الشهرين الماضيين فقط، لأفردنا مجلدات لها. باتت هذه الكلمة في يومياتنا في عالم كرة القدم. وصل الهوس بها إلى حدود لا يمكن تخيُّلها. هو هوس بكل ما للكلمة من معنى، يضرب الجميع، بدءاً من النجوم أنفسهم الساعين إلى الوصول إليها مروراً بالمدربين وإدارات الأندية والجماهير والمسؤولين الكرويين في كبريات المؤسسات الرياضية، وليس انتهاءً بالصحافة.
الكل يحكي عن هذه الكرة التي باتت الشغل الشاغل في أوساط اللعبة الشعبية الأولى في العالم. لم يعد الفوز بالكرة الذهبية حصراً على اللاعب، إذ يتخطى ذلك إلى فريقه وبلده، وعلى هذا فلنقس مشهد «التحارب» العالمي الذي يبدأ منذ انتهاء الموسم في منتصف العام تقريباً إلى ما قبل ساعات من وقوف المتنافسين الثلاثة النهائيين على المسرح لتتويج أحدهم.
في الشكل، لا تزال الكرة الذهبية على حالها ومقاسها، أما في المضمون، فإن هذه الكرة خداعة، إذ إن حجمها ووقعها على النفوس أكبر بكثير وهو آخذ في الازدياد عاماً تلو آخر. باتت هذه الكرة بالنسبة إلى النجوم توازي كأس العالم عند المنتخبات. هي، بالضبط، «مونديال النجوم». لكن هذا المونديال تستمر المنافسة فيه لأشهر وتشمل العالم بأسره، لا تنحصر فقط بـ32 بلداً، حيث إن كلمة «كرة ذهبية» باتت تسمع بلغات العالم قاطبة ويتردد صداها من مشارق الأرض إلى مغاربها.
في الشكل، سيقف البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي والألماني مانويل نوير على مسرح قاعة المؤتمرات في زيوريخ اليوم ليتسلم أحدهم الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم لعام 2014. ستأخذ الكاميرا هؤلاء الثلاثة وحدهم، لكن عدستها ستخدع أيضاً، إذ خلف هذه الصورة سيكون العالم كله يترقب بفارغ الصبر ودقات القلوب «لحظة الحسم» التي ستُعَدّ، قبل ما تمثله للنجم، انتصاراً شخصياً لمن أصاب في توقّعه وهزيمة لمن فشل فيه.
باتت هذه الكرة بالنسبة إلى النجوم توازي كأس العالم عند المنتخبات


مدهش حقاً مفعول هذه الكرة. في الشكل، هي ذهبية اللون ولها سحر أخّاذ، لكن في المضمون فإن تأثيرها لا يمكن وصفه. بداية من النجوم الثلاثة النهائيين الذين يتنافسون عليها، إذ تراهم منذ بدء ارتسام ملامح ترشحهم التي تسبق الإعلان الرسمي بحوالى شهرين، يصلون إلى مستويات مذهلة على أرض الملعب، حيث يبدو، لوهلة، أن سحراً قد أصابهم وبدّل كياناتهم، وهذا ما ترجمه مثلاً في انطلاق الموسم ميسي ورونالدو بأهدافهما القياسية، أما نوير فراح يزيد من جرعة تدخلاته خارج منطقة الجزاء واستعراض مهاراته إلى حدود أوصلته إلى مرتبة «الظاهرة» في مركزه.
في موازاة ذلك، كان وقع الكرة الذهبية يكبر في نفوس زملاء هؤلاء الثلاثة في فرقهم ومنتخبات بلادهم وفي اللعبة عموماً، فضلاً عن المدربين والمسؤولين الكرويين، حيث راحوا يدلون بتصريحات - بعضها لم يخلوا من شراسة - تدافع عن حقوق هذا النجم بالفوز بالكرة الذهبية وتبخس حق الآخر. ما يلفت في هذه الكرة أنها تعيد إلى الواجهة نجوماً وأساطير في اللعبة، بعضهم يغيب على فترات عن السمع، بتصريحات ترجّح كفة هذا اللاعب أو ذاك.
لكن المعركة الأهم هي تلك التي تدور رحاها بين بلدان اللاعبين الثلاثة، ممثلة بصحفها التي باتت حملاتها الإعلامية واضحة لمناصرة مواطنها، وتبدأ منذ لحظة تحديد هوية المرشحين النهائيين. هكذا، فقد تغنّت صحف البرتغال وألمانيا والأرجنتين وإسبانيا، حيث يلعب ميسي ورونالدو، بترشح ممثلها في زيوريخ، لا بل أكثر فإنها شنّت حملات عنيفة لإضعاف الآخرين، كما حصل تحديداً بين الصحف الألمانية والمدريدية حيث سخرت الأولى من رونالدو، وردت عليها الثانية بالمثل على نوير.
حتى إن معارك جانبية كثيرة تدار في أوساط اللعبة بسبب الكرة الذهبية. فلنأخذ مثلاً الفرنسي ميشال بلاتيني، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي كان العنوان هذا العام بتصريح رأى فيه أن لاعباً ألمانياً يستحق أن يفوز بالكرة الذهبية في 2014 بسبب التتويج بكأس العالم، حيث قامت الدنيا ولم تقعد بعد تصريحه هذا الذي استدعى ردوداً وأخذاً ورداً لا يُحصى.
حتى إن هذه الكرة الذهبية تثير التأويلات والتكهنات وتتحكم حتى في التصرفات، وهذا ما تلخّصه مثلاً لقطة مرور رونالدو أمام بلاتيني خلال تسليم لاعبي ريال مدريد ميداليات الفوز بمونديال الأندية دون أن يلقي عليه التحية لانشغال الفرنسي بالحديث مع كارلو أنشيلوتي، فانطلقت على إثرها التحليلات وتفنيد الأسباب وربطها بالكرة الذهبية حصراً.
على أي الأحوال، يكفي فقط لتلخيص مدى الحظوة التي وصلت إليها الكرة الذهبية هي أن «الفيفا» طلب في 2010 ودّ صحيفة «فرانس فوتبول» التي أسّست الجائزة لكي يشاركها في منحها بعد أن كانت له جائزته الخاصة لأفضل لاعب في العالم منذ عام 1991.
اليوم إذاً يقف رونالدو وميسي ونوير على المسرح في زيوريخ. لحظات ويتقدم أحدهم ليتسلّم الكرة الذهبية. أول ما سيراه في تلك اللحظة هو انعكاس ابتسامة وجهه على ذهب الكرة، وأول ما سيتبادر إلى ذهنه أنه أصبح «ملك العالم».