يلاحظ المشاهد للقنوات اللبنانية والعربية افتقادها البرامج الثقافية في ظل طغيان تلك الترفيهية مع استثناءات قليلة. مثلاً على المستوى المحلّي، تستعدّ «المنار» لإطلاق برنامج جديد بعنوان «إضاءات» في شهر آذار (مارس) المقبل كحد أقصى. البرنامج عبارة عن مجلة ثقافية موجّهة تتضمّن فقرات تتناول السينما العالمية بما يتناسب مع توجّهات القناة.
كذلك، هناك حضور قوي للسينما الإيرانية وفق ما تقول مقدّمته ومعدّته حياة الرهاوي لـ«الأخبار». كذلك سيُتابع «الفعاليات والنشاطات في العالم العربي وإيران، وهو يتميّز بفقرة تتمحور حول الثقافة والفنون في فكر السّيد علي الخامنئي واهتمامه بالفن ودعمه له، فضلاً عن فقرة جديدة أخرى حول البعد الثقافي والفني والفكري لشهداء المقاومة الإسلامية». قبل هذا البرنامج، عرضت المحطة «موزاييك» الذي استمر عامين، وكان عبارة عن مجلة تتضمن فقرات عدّة عن السينما، والمسرح، والميديا، وقضايا وأنشطة ثقافية تشغل الوسط اللبناني والعربي. وأيضاً قدّمت برنامجاً مختصراً هو «صفحات ملوّنة»، واكبت فيه الحركة الثقافية المحلية. لـ»تلفزيون لبنان» أيضاً برنامج حواري أسبوعي تستضيف فيه عبير شرارة شخصيات فنية وثقافية وأدبية، لتسترجع معها تاريخها المهني وإنجازاتها. على الضفة الأخرى، لم تجد شاشات مثل lbci، وotv، وmtv في أجندتها مساحة لبرامج ثقافية. ربما فرضت سياسة الإنتاج والمعلنين هذا الواقع، لتحصيل المزيد من الأرباح وتحقيق نسبة مشاهدات عالية.
عند سؤالنا عن سبب غياب هذا النوع من البرامج، أجابنا أحد المسؤولين في «الجديد»، فضّل عدم الكشف عن اسمه: «هكذا هي آلية الإنتاج في لبنان»، معتبراً أنّ «وقت الذروة» (Prime Time) يتحكّم في نوعية البرامج وأوقات عرضها. البرامج الثقافية نخبوية برأيه ولا تهم جميع الناس، كذلك فإنّ القضية التي تتبنّاها «الجديد» هي «حرية التعبير ومحاربة الفساد وتترجم ذلك في برامجها». هنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الشاشة المذكورة تقدّم الكثير من البرامج الترفيهية أسبوعياً. الثقافة على lbci ليست أفضل حالاً، لأنّ الفقرات التي كانت تقدّمها سابقاً ضمن «حلوة ومرة» أو خلال البرنامج الصباحي لا تُعد ضمن المعالجة الجدية للحركة الثقافية أو دعماً لها. حاولت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» إيجاد مبرّر لذلك، وهو أنّها تُعدّ لبرنامج magazine يتطرّق إلى النشاطات الفنية والثقافية، وفق ما أكد مصدر من داخلها رفض الكشف عن اسمه.
في المقابل، نُلاحظ أنّ فضائيات عربية مثل «الميادين» و«الجزيرة» و«العربية» خصصت مساحة للثقافة في العالم العربي. منذ انطلاقتها، تُقدّم «الميادين» برنامج «بيت القصيد» الذي لا ينحصر مضمونه في الأدب والشعر، بل يشمل الموسيقى والغناء والمسرح والتمثيل والسينما وأكثر. هنا، يحرص الإعلامي والشاعر زاهي وهبي على استضافة شخصيات من مختلف البلدان العربية. حمل «بيت القصيد» الهمّ الإنساني بعيداً عن التصنيفات السياسية أو الثقافة الإستهلاكية الرائجة، كـ«صناعة النجوم» التي غالباً ما تكون فورة سرعان ما تزول.
تقصير الفضائيات العربية التي يتعدى عدّدها ألفاً يصفه وهبي بـ«الفاضح»، خصوصاً أنّ «الثقافة والاهتمام بها هما من أهم العناصر التي تعكس تطوّر المجتمع وتمدّنه». على التلفزيونات مسؤولية كبيرة في توجيه المشاهد تجاه برامج مماثلة. ووفق وهبي، فإنّ المشاهد الذي يبحث عن الترفيه يحتاج أيضاً إلى جرعة من الثقافة، لكن المسؤولية الكبرى يتحمّلها «المعلنون وشركات الإنتاج وأصحاب الموجات العابرة التي لا تستمر». واللافت أنّ «بيت القصيد» مثلاً استطاع الاستمرار وجذب الإعلانات، والأهم هو انفتاحه على الجمهور الشاب، مفسحاً المجال أمام المواهب التي ما زالت في بداية الطريق.
من جهتها، لم تتميّز «الجزيرة» باختيار اسم برنامجها «المشّاء» فحسب، بل أيضاً بطريقة تقديمه للمشاهد. ينطلق البرنامج من تعريف كلمة المشّاء وهو «المهموم ثقافياً»، ليمشي من المحيط إلى الخليج معرّجاً على أهم المدن العربية التي تميزت بثقافتها الغنية. وخلال رحلته، يرافق شخصية مثقفة، ويرسم لها وللمدينة صورة تقرّب تفاصيلهما من المشاهد. والمفارقة أنّه في كل حلقة يختار الضيف الرئيسي محاوره الذي يعتقد أنّه أدرى بأثره الثقافي. نرى السينمائي المغربي داود أولاد السيّد يحاوره الناقد السينمائي المغربي محمد أشويكة في مراكش. نتعرّف إلى المدينة المغربية والمخرج معاً. البرنامج هو فكرة وإخراج وإعداد المخرج جمال العرضاوي الذي يستقبل مروحة واسعة من المثقفين، والموسيقيين، والشعراء، والسينمائيين، والرسامين العرب. قناة «العربية» لم تُهمل الشق الثقافي. منذ عام 2002، تبث برنامج «روافد» الثقافي الحواري الذي يقدّمه الروائي والصحافي أحمد علي الزين. يعتبر «روافد» توثيقاً للمثقفين والمبدعين العرب وأعمالهم، ويطرح فيه هموماً إبداعية عربية، مقدّماً إياها في سياق عرض شيّق. والجدير ذكره أنّه نال الجائزة الذهبية عن فئة أفضل برنامج ثقافي وتوعوي في «مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون» في البحرين عام 2010.
تزدحم التلفزيونات المحلية والعربية ببرامج الترفيه والتسلية التي أصبحت غالبيتها نسخاً مكرّرة لا تحترم عقول المشاهدين في الكثير من الأحيان، من دون أن ننسى غزوة برامج الهواة، في ظل سيطرة الحجة المعتادة: نظرية «الجمهور عايز كده». فهل تستفيق المؤسسات الإعلامية قريباً وتضطلع بدورها الأساسي في التوعية والتثقيف؟