سألتني إحداهنّ، مرّة، إن كنت أنا من يكتب تلك النصوص. عجبتُ من السؤال، فأردفت قائلة إنها لا تقصد شيئاً سيئاً «لا سمح الله»، ولكنها تستغرب كيف لفتاة محجبة أن تكتب مثل هذه النصوص. حينذاك، قالت بأنها كانت تتخيلني بشكل آخر،... «بس سمالله عنك محجبة وبتفهمي وموهوبة»! لم تكن هذه المرة الأولى التي يعترضني فيها موقف كهذا، فحين كنت أخبر زميلة لي في العمل عما أفكّر فيه وأكثر ما يشغل بالي، قاطعتني وسألتني إن كان الحجاب خياري أم أنه فُرض عليّ.
لم أفهم، حينها، سبب إقحام هذا السؤال في حديث لا يمت بأية صلة للحجاب. مع ذلك، أكملت حديثها بالقول أن «المرأة المحجّبة في بالها هي تلك المنغلقة والمكبّلة بقيود دينية، يحدّها الحلال والحرام، وأن أقصى ما تفكر فيه هو الأشياء العملية المباشرة لا أكثر».
بقيت فترة طويلة أحاول شرح البديهي. أحاول إفهام البعض أن لا ربط بين الحجاب والخيال. وبقيت أعيد ما هو أكثر من بديهيّ أيضاً، وهو أن الحجاب بمعناه المباشر قطعة قماش توضع على الرأس وتغطّي بدورها الشعر. شعر الرأس فقط. وأني أضعه بقناعة تامة وبحبّ، تماماً كما كل الممارسات الدينية. فكيف امتزج هذا الخليط؟ فالحجاب لا يُقرن بالقدرات الذهنية لدى الفرد، ولا بقدرته على بلورة موهبته وتطويرها. ما هو الحجاب وكيف يُسقط على الموهبة؟ الحجاب بمعنى آخر أيضاً، وبعيداً عن فلسفته الخاصة، هو حجب رؤيا الجسد، أي إننا ما زلنا في إطار المادة. ولم يكن يوماً حاجباً لكل «التراكيب» التي يصنعها العقل، ولا لنسيج الصور والشغف والإبداع. الاقتناع بالالتزام الديني يأتي ضمن دائرة واسعة تندرج فيها الموهبة، فيصبح طريقة عيش وسلوك، تحدد كيفية النظر إلى تفاصيل الدين وتطبيقه. وهذه الدائرة مرنة، فيها من المسلمات وفيها ما هو قابل دائماً للأخذ والرد والتعديل والتطوير. أي إنه لا يمكننا أن نضع الدين في جهة، والابداع والعقل والخيال في جهة أخرى، مخافة انقضاض الدين على العقل ولجمه. على العكس، هذه الأشياء كلها معجونة بعضها ببعض الآخر. التفكير الديني والتفكير المُوجّه للموهبة واحد. وبالتالي، كوني محجبة لم ينتقص يوماً من كوني إنسانة تفكر كما تشاء. ولم يحدّ من مشاريعي في شيء. في الحجاب نوع من المنع، والمنع يبحث عن تعويض، وإن كان هذا التعويض لا يتنافى مع قناعاتي الأساسية، إلا أنه يُكمّل المشهد المحتجب. وهكذا يكون الحجاب متماهياً مع الموهبة. أو يصير الحجاب هو الموهبة. لم يؤد الحجاب إلى تضييع قُدرات المرأة. ولست هنا بصدد الدفاع عن قناعتي بالحجاب، إنما تحييد «الصعقة» عن المحجبات «الفهيمات»، وتوجيهها نحو الفئة التي تحتاج فعلاً إلى خلع الحجاب عن أفق أوسع كي ترى أبعد من هذا الاستهجان. حين تمارس الدين بقناعة، تصبح الموهبة طيّعة لذلك، وكل ما يمكن أن تنتجه يكون مرتبطاً بهذه العملية. وهنا أود أن أطرح سؤالاً: لماذا لا يجري التركيز على الفئة السطحية من غير المتدينين والـ»ركّ» عليهم، من أجل تصويب هذه الأفكار لديهم وصناعة أمة متنورة؟ على الأقل، كخيار بديل عن عدم اختلاطهم ببيئة المتدينين، ليتعرفوا إلى ما هو غير مألوف بالنسبة إليهم، ويصبح مألوفاً وبديهياً.