تحرص زينب على ألّا «تفلس» جيبها بسبب الإيشارب. لذلك تعمد إلى شرائه من أماكن «شعبوية» أكثر منها راقية، كما أنها تحرص على شراء ثيابها الشرعية ذات الألوان «السادة»، كي لا تضطّر في كل مرة أن تشتري حجاباً لكل ثوب، خصوصاً أن أسعار الإيشاربات «ليست مزحة، فحتى في المناطق الشعبية يمكن أن تصل إلى حدود 50 ألف ليرة، وأنا لا قدرة لي دائماً على ذلك»، تقول.
قبل هذا «الجنون»، كان سوق الحجاب خجولاً ومحدوداً وأسعاره «محمولة». أما اليوم، فقد تبدّل كل شيء. ويُمكن للقاطنين في مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت، ملاحظة تبدّل النسق العام في ثياب المحجبات في السنوات الأخيرة. قبل حرب تموز عام 2006، لم تكن محال الألبسة الشرعية بالكثافة ذاتها التي هي عليها اليوم. كانت محال معروفة وتبيع بأسعار شبه موحدة، تتفاوت بشكل بسيط بين محلّ وآخر بحسب نوعية البضاعة وما إذا كانت صناعة محلية أو مستوردة. وكان لافتاً أيضاً، انتشار بعض المحال المتخصصة بخياطة الألبسة الشرعية ـ المصانع التي تضاءلت الآن ـ والتي كانت تقصدها الفتيات المحجبات لاختيار الأقمشة، على أن يقوم الخياط بحياكة ثوب يلائم طلباتهن. وعادة ما تكون هذه القطع أقلّ ثمناً من الثياب الجاهزة. أما بالنسبة للإيشارب، فقد حرصت بعض المحال التجارية على الطلب من المصممين رسم نقشات تشبه نقشات «الحجاب الحرير»، وبيعها بأسعار أقلّ. وحينذاك، كانت تتراوح أسعار «الإيشاربات»، ما بين 20 ألفاً و35 ألف ليرة لغير الحرير، و75 ألفاً كسعر وسطيّ للحرير. وقد رأى البعض في هذه الفروقات بداية «ترسيخ الشرخ الطبقي بين الناس»، إذ كانت فتيات الطبقة الغنيّة يعرفن بارتدائهنّ للحجاب الحرير باهظ الثمن، وفتيات الطبقة المتوسطة بارتداء حجاب «الساتان»، الذي يشبه في «اللمعة» الحرير. أما بعد حرب 2006، فقد استحال كل شيء «غير». تبدلت الحركة التجارية بشكلٍ جذري.
لم يعد الثوب الشرعي الخالي من التفاصيل يغري ذوق المحجبات، إذ يعتبرنه «موضة قديمة»، لا حركة فيه ولا روح. لم يعد الموجود يفي بالغرض، مع «الغزوة» التركية. فالعابر في الضاحية الجنوبية اليوم ستجذبه تلك اللوحات الإعلانية التي تصور «الجميلات التركيات»، بأثوابهن الشرعية المزركشة ألوانها أو بفساتينهنّ الطويلة والسترة التي بالكاد تصل إلى الخصر. هذه الغزوة التي ترافقت مع الطفرة في محال الألسبة الشرعية هناك. ففي حارة حريك مثلاً، يفوق عدد محال بيع ثياب المحجبات العشرة. وكذلك الحال في بئر العبد والجاموس وبرج البراجنة وحي السلم. غير أن هذه الطفرة لم تخفف الأسعار، التي «طارت» مع الريح في بعض المحال، حيث باتت الفروقات شاسعة ما بين محل وآخر ومنطقة وأخرى. أما السبب؟ فهو الصناعة التركية «بأبوابها» التي تكاد تلغي المحلي. وفي هذا الإطار، يشير صاحب محلّ «الريّان» في منطقة بئر العبد إلى أن «90% من الثياب الشرعية في السوق هي صناعة تركيّة، وذلك لأن هناك مصانع ضخمة، إضافة إلى جودة الثياب المستوردة وسرعة نقلها». ويلفت الرجل إلى أن «أغلب المصانع في لبنان تضررت بسبب إقبال الناس على المستورد، وبسبب ثقتهم بالبضاعة الأجنبية أكثر». وبحسب قوله، لم يبق سوى نسبة قليلة من مصانع الألبسة المحلية «التي لا تصمم وفق الدارج».
لم يعد الثوب الشرعي
الخالي من التفاصيل يغري ذوق المحجبات، إذ يعتبرنه «موضة قديمة»، لا حركة فيه ولا روح

وعن ارتفاع الأسعار، يقول الرجل أنه «بعد حرب تموز، ارتفعت أسعار الثياب الشرعية بسبب ارتفاع ثمن الإيجارات، بعدما وصل ثمن إيجار بعض المحال إلى حدود 3000 دولار شهرياً». لكن، هذا لا يلغي جشع بعض التجّار. هؤلاء الذين استغلوا «هذه النقطة ووضعوا أسعاراً خيالية لبضاعتهم، حتى وصل ثمن الزي الشرعي في بعض المحال إلى 300 ألف ليرة، فيما تكون البضاعة نفسها قد سلمت من المورّد بسعر 100 ألف ليرة مثلاً». 300 ألف ليرة لـ»عدّة» لم تكتمل بعد، ففي بعض الأحيان قد يصل سعر «الإيشارب إلى حدود 450 ألفاً، بسبب فارق بسيط بنوعية الأقمشة، وأنا أشارط جميع التجار أن رأسمال أتخن حجاب هو 75 ألفاً».
ومع تنوع تصاميم الألبسة في السوق، باتت هناك خيارات أكبر للمحجبات، خصوصاً مع انتشار موضة «السبورات». يعني «فيكي تقولي تياب شرعية مش شرعيّة»، يعلق صاحب محل «الريّان». أما صاحبة محل «سنا» في حارة حريك، فتنفي ما يقوله «الزميل»، مشيرة إلى أن «ارتفاع الأسعار سببه الزبون، فنحن نلبّي طلب الزبائن، وهم من يوصينا بنوعية محددة من الأقمشة والتصاميم».
يُجمع معظم أصحاب المحال في منطقة بئر العبد والرويس وتحويطة الغدير أن السوق رسخ فروقات كبيرة بين الفتيات المحجبات، فقد بات معروفاً أن من تقصد منطقة حارة حريك وحي الأميركان هي من الطبقة الغنية. أما من تقصد حي السلم وبئر العبد وسواها من المناطق فهي إما من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة. مع ذلك، ثمة معادلة لا مفر منها، وهو أنه مع «كل نزلة على السوق، ما بطلع بأقل من 400 ألف ليرة، أنا وعم تبّع تياب لقطعة واحدة: شرعي 150 ألف وإيشارب 50 ألف وبنطلون 50 ألف وجزدان 35 ألف...»، تختم مريم.