عام آخر لم تكن أيّامه يسيرة على الصحافيين والإعلاميّين في العراق، إذ لم يعرفوا فيه نهاية للعنف الذي يلاحق زملاء المهنة أو التهديدات التي طاولت وتطاول مؤسّسات صحافيّة وإعلاميّة. ربّما يكون حدث إيقاف طبعة جريدة «الشرق الأوسط» في بغداد من لدن السلطات العراقيّة هو مفتتح العام 2014 في إطار تحدّيات ستتوالى لاحقاً في المشهد الاعلامي. اتّخذ الإجراء بحسب تصريحات رسميّة بسبب عدم توافر بعض الأوراق الثبوتية والقانونيّة التي تسمح باستمرار طبع وتوزيع نسخة بغداد التي تقوم بها مطبعة محليّة. ومن ثمّ بدأت في ديالى (57 كم عن بغداد) موجة من التهديدات لحياة عدد من الصحافيّين هناك. وقتل فراس محمد، مراسل ومقدّم البرامج في قناة «الفلوجة»، عندما كان يرافق أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي ــ مع زملاء له جرحوا ــ قوات حكوميّة أعادت فتح مركز شرطة في مدينة الخالدية (من مدن محافظة الأنبار 80 كم عن بغداد) التي يسيطر عليها عناصر من «داعش» بانفجار عبوة استهدفت السيّارة التي كانت تقلهم.

وأعدم المصور رعد العزاوي من قبل تنظيم «داعش» في محافظة صلاح الدين، وقتل المصوّر الصحافيّ عماد عامر لطوفي في تفجير عبوة ناسفة كانت تستهدف موكب قائد شرطة الأنبار أحمد صداك.
ومن بين مجريات الأحداث، ما تعرّضت له صحيفة «الصباح الجديد» من اعتداء بالمتفجرات لحق بمكتب الصحيفة في منطقة الوزيرية في بغداد، إثر تحريض واسع النطاق ضدّ الصحيفة بعد نشرها ملحقاً عن تاريخ «الثورة الإسلاميّة» في إيران. بعدها، هاجم أشخاص يحملون أسلحة أوتوماتيكيّة مقر وكالة «سما اليوم الإخباريّة» وطالبوا بوقف العمل فيها، وإلا فإنّهم سيدمّرون المكان على رؤوس العاملين فيه.
ومنع رئيس مجلس النواب (في الدورة البرلمانيّة السابقة) أسامة النجيفي، فضائية «العراقيّة» شبه الرسميّة من دخول مبنى البرلمان لعدم بثّها مؤتمره الصحافيّ الذي عقده، في السادس من آذار (مارس) الماضي بسبب خلل فنيّ. لكنّ النجيفي قال إنّ «التحقيق أثبت أنّ الفضائية تعمّدت قطع المؤتمر بعد دقائق على بثّه»! كما اغتيل الصحافي والأكاديمي محمد بديوي يوم كان متوجهاً إلى مقر عمله في «إذاعة العراق الحرّ» بعد مشادة كلامية مع ضابط من الفوج الخاصّ بحماية رئيس الجمهورية عند حاجز تفتيش هناك، ليخرج سلاحه ويقتله على الحال (الأخبار ٢٤ /3/ 2014). وتعرض الإعلامي حسام العاقولي إلى اعتداء بالسكاكين في مدينة السماوة من قبل ملثمين يرتديان بزات عسكريّة قاما بطعنه في أماكن مختلفة من جسده. ومن ثمّ صادرا معداته الصحافيّة ومن بينها كاميرا تصوير فضائية. وأبلغ كريم القيسي مراسل قناة «الغدير» الفضائية في ديالى، «مرصد الحريات الصحافيّة» أنّه تعرّض «للضرب المبرح والسحل لمسافة تصل إلى خمسين متراً بأمر من محافظ ديالى عامر يعقوب المجمعي».
وفي تموز (يوليو) الماضي، هاجمت قوّة مسلحة مقر صحيفة «التآخي»، وهدّدت الموظفين وأمرتهم بعدم الإصدار لليوم التالي. وأدى حدث احتلال «داعش» لمدينة الموصل إلى مغادرة عدد من الصحافيين والإعلاميين هناك إلى مناطق أخرى من العراق أو إلى خارج البلاد. ومنذ أشهر، أعلن تنظيم «داعش» نيّته تصفية عدد من الإعلاميّين في محافظتي الموصل وصلاح الدين مثلما نفّذ في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حملة اعتقالات طاولت 14 صحافيّاً وفنيّاً. وهو يحتجز حتّى الآن 6 صحافيّين آخرين منذ سيطرته على محافظة نينوى في حزيران (يونيو) الماضي.
واحتجّ صحافيون وناشطون في أكثر من ورشة وفعاليّة، على مناقشة مجلس النواب الحالي لمسودة «قانون حريّة التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلميّ» التي تقدّمت بها الحكومة السابقة، لأنّها تحد من «حريّة التعبير في البلاد».
واعترضت نقابات ومنظّمات صحافيّة على تصريحات مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركيّة في بغداد رود نوردلاند، حينما نشر تغريدات وصوراً على حسابه على تويتر ورد فيها أنّه «حتّى المومسات لا يبعن أنفسهن بهذا الرخص في العراق» (الأربعاء ٢ /7/ 2014). جاء نشر هذه الوثائق بعد حضور المراسل الأميركي مؤتمراً للمتحدّث باسم «مكتب القائد العام للقوات المسلحة» الفريق قاسم عطا، وكتب نوردلاند: «تُرى ما هي قيمة الصحافيّ العراقيّ 20.83 دولاراً؟». ونشر مع تغريدته صورة لمظروف كتب عليه «نيويورك تايمز»، احتوى على ثلاث أوراق من فئة 25 ألف دينار عراقيّ التي تعادل الواحدة منها 20.83$.
وفي تطوّر لم يكن يحظى بالاهتمام نفسه في أعوام سابقة، أعلنت السلطة القضائية الاتحاديّة في العراق أنّها «حققت مع 4 متهمين اعترفوا باشتراكهم في قتل كادر فضائية «الشرقية» في محافظة نينوى عام 2013». ورحّب صحافيون وكتّاب بقرار رئيس الوزراء حيدر العبادي القاضي بإسقاط جميع التهم الموجّهة إلى الصحافيّين والمؤسّسات الإعلاميّة التي رفعها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بصفته الرسميّة. وشهدت الأشهر الماضية اندفاع عدد من الصحافيّين ليكونوا مراسلين حربيّين يرافقون الجيش العراقيّ في حربه ضدّ «داعش»، حتّى إنّ بعضهم أصيب بجروح بليغة في قضاء بيجي في محافظة صلاح الدين، ومن بينهم الإعلامي حيدر شكور. أخيراً، تلقّى الوسط الإعلاميّ بحزن خبر إغلاق فضائية «الحريّة» المعروفة بتوجهها المدنيّ واهتمامها بالنشاط الثقافيّ.