عند ذكر مصطلح «تنافسية» في عالم كرة القدم، يتبادر إلى الأذهان الدوري الإنكليزي الممتاز. هو جزء من الدعاية الترويجية التي عمل على غرسها القيّمون في أذهان الجمهور، بهدف استقدام عائدات أكبر.بالطبع، شهد الدوري الإنكليزي، ولا يزال، مباريات مشوّقة بين فرق من ترتيبات متفاوتة، يصعب التنبؤ بنتيجتها. لكن ما يحدث خلال 90 دقيقة لا يشمل سباق الـ 38 مباراة. هذا ما تعكسه أرقام مانشستر سيتي، أقله خلال السنوات الأخيرة.
أنهى «السيتيزينز» سباق الدوري الحالي قبل 3 مباريات من انتهاء المسابقة، حاصداً بذلك اللقب الخامس خلال آخر ستة مواسم، والتاسع بالمجمل في تاريخ النادي. هيمنة السيتي المحلية تحت قيادة المدرب بيب غوارديولا أدّت إلى استهزاء نقّاد كرة القدم ومن خلفهم جماهير الدوريات الأخرى، مشككين في الصورة النمطية المعروفة عن الدوري الإنكليزي بأنه أكثر تنافسية من الدوريات الكبرى الأخرى. هناك هوّة واضحة بين قوّة مانشستر سيتي وأي منافس، وبالتالي، تناقِضُ السيطرة شبه المطلقة ما يفاخر فيه مناصرو بريمييرليغ.
كان لانتقال ملكية النادي إلى الإمارات عام 2008، ممثلةً بالشيخ منصور، دور بارز في تعاظم قوة السيتي على مراحل. يحتل مالكو النادي الأزرق وصافة أغنياء الدوري الإنكليزي، بثروة تقدّر بثلاثين مليار دولار. كان واضحاً تأثير هذه الأموال على إعادة الفريق إلى الخريطة، لكنها لم تكن العنصر الحاسم، إذ اتسمت الإدارة بالذكاء في قراراتها. المواسم الأولى للسيتي شهدت أسواق انتقالات مدروسة، عرفت توازناً لافتاً بين الفاعلية والترويج للنادي. وفي عام 2011، جاءت أوّل معالم النجاح بحصد السيتي لقبه الأول في البريمييرليغ بمسماه الجديد.
شهد النادي بعد ذلك تغييرات متتالية، فتبدّلَ اللاعبون ومن خلفهم المديرون الفنيون، دون تزعزُع السيتي عن المنافسة على أقل تقدير. في تلك الفترة، فرض أزرق مانشستر نفسه بين كبار الدوري، وبدأ يفتح بؤرة الصرف شيئاً فشيئاً تزامناً مع استقدام المدرب بيب غوارديولا. من هنا، تغيّرت المعادلة. أصبح مانشستر سيتي قوة مهيمنة في إنكلترا يصعب قهرها، ويبدو أن فترة السيطرة قد لا تنتهي إلا بتنحّي المدرب الإسباني عن عرشه.
يعدّ غوارديولا أحد أفضل المدربين في العالم، إن لم يكن أفضلهم. وعلى خلفية ذلك، وضعت إدارة مانشستر سيتي خزائنها في تصرف المدرب الإسباني الذي ارتقى تباعاً بالنادي إلى مستوى جديد.
حصل غوارديولا على أموال غير محدودة لإنشاء فريق مثالي، استخدمها في إعادة هيكلة مختلف الصفوف. قد لا تتصدر الصفقات التي أبرمها غوارديولا قائمة أغلى اللاعبين في إنكلترا، لكنها تعكس مجتمعةً مدى القوة المالية للنادي. ومنذ صيف 2017، استفاد غوارديولا من إنفاق أكثر من مليار جنيه استرليني على تشكيل فريقه، مقابل ذلك، حصل السيتي على 546 نقطة من أصل 678 نقطة متاحة، بنسبة تتجاوز 80% من النقاط المتاحة على مدى ستة مواسم.
لم يواجه السيتي أي صعوبة في استقدام أي لاعب عندما تعلّق الأمر برسوم الانتقال. حتى عندما ضربت جائحة كورونا القطاع الكروي وخلّفت وراءها أزمة مالية في مختلف الدوريات، استمرت قدرة سيتي الإنفاقية على ما هي.
حصل السيتي على 546 نقطة من أصل 678 نقطة متاحة


إنفاق مانشستر سيتي صوّب الأعين عليه، ودفع المعنيين إلى فتح تحقيق بشأن خرق بعض بنود قانون اللعب المالي النظيف لتسعة مواسم كاملة بين 2009 حتى 2018. لكن في الوقت الحالي، تبدو الاتهامات بلا جدوى. من غير الواضح كم سيستغرق الأمر، وكيف ستسير القضية.
المتانة المالية سمحت لأزرق مانشستر أخيراً بالتوقيع مع إرلينغ هالاند خلال الانتقالات الصيفية بلا أي منافسة من بقية الفرق، في صفقةٍ عززت متانة السيتيزينز بفعل غزارة المهاجم التهديفية، وخاصةً بعد إعادة توجيهه من قبل غوارديولا في منتصف الموسم كي يلائم المنظومة بشكل أكبر.
صلابة السيتي هذا الموسم تعكسها الأرقام. ففي آخر 15 مباراة بالدوري، قضى السيتيزينز 10 دقائق فقط في موضع «الخاسر». كانت تلك الفترة القصيرة بين هدف محمد صلاح لليفربول وتعادل جوليان ألفاريز. فاز السيتي بتلك المباراة 4-1، وهو انتصار بأكثر من ثلاثة أهداف تكرر أمام العديد من فرق القمة هذا الموسم، مثل مانشستر يونايتد وتشيلسي وأرسنال محلياً، كما بايرن ميونيخ وريال مدريد أوروبياً.
سيكون من المنتظر رؤية نهاية الموسم الذي قد يشهد إنجازاً تاريخياً في حال فوز الفريق في المباراة النهائية من دوري أبطال أوروبا أمام إنتر ميلانو، كما نهائي كأس الاتحاد أمام مانشستر يونايتد. وفي خضم السيطرة شبه التامة، يرتفع في الأفق عدد من الأسئلة: هل أصبح مانشستر سيتي الأقوى عالمياً؟ من يوقف غوارديولا؟ هل تمتد السيطرة إلى الرقعة الأوروبية أيضاً؟