لم تكن نهائيات كأس العالم التي أُسدل الستار عليها في قطر الأحد الماضي، مجرد بطولة حملت المفاجآت بالنسبة إلى المنتخبات، وأكبرها طبعاً بلوغ المنتخب المغربي الدور نصف النهائي. فهذه البطولة وكغيرها من البطولات السابقة شكّلت محطةً مهمة لمواهب كشفت عن إمكاناتها الكبيرة، وباتت بالتالي هدفاً لأهم الأندية الأوروبية، وذلك في موازاة ارتفاع أسعارها قبل أقل من أسبوعين على فتح باب الانتقالات الشتوية.
ولادة نجمين أرجنتينيَّين
صحيحٌ أن هناك لاعبين سبق أن شقوا طريقهم إلى أنديةٍ معروفة في أوروبا، لكن المونديال قدّمهم بصورةٍ أكبر مما بدوا عليه في المرحلة الماضية من مسيرتهم، وذلك على غرار لاعب الوسط الأرجنتيني إنزو فرنانديز، الذي تمّ اختياره كأفضل لاعب شاب في كأس العالم.
قبل المونديال كان ابن الـ 21 عاماً مجرد موهبة واعدة مع بنفيكا البرتغالي الذي لم يدفع اكثر من 12 مليون يورو لنقله إليه من ريفر بلايت في الصيف الماضي. ومع انطلاق المونديال كانت القصة الوحيدة المتعلّقة بفرنانديز هي توجيهه قبل سنوات رسالةً للنجم ليونيل ميسي يرجوه فيها العودة عن اعتزاله الدولي، وهو الذي كان لا يزال فتى يحاول شقّ طريقه إلى الاحتراف.
لكن سرعان ما أصبح فرنانديز أحد أركان المنتخب البطل بعدما ظهر تأثيره الإيجابي في أول مباراتين خاضهما كاحتياطي، وقد وصل سعره في سوق العرض والطلب إلى 35 مليون يورو. مبلغٌ لن يتوانى أحدٌ عن دفعه للاعبٍ في هذا السن، وبهذه الشخصية القوية التي سمحت له بالارتقاء إلى مستوى التحدي في مبارياتٍ مونديالية قوية، فلعب دور صلة الوصل بين الخطوط وقام بمجهودٍ دفاعي جبار، وساهم بعمليات التسجيل من خلال ذكائه وكسبه المساحات وطلبه الكرات حتى تحت الضغط لدرجةٍ أنه لمس الكرة أكثر من 100 مرة في المباراة أمام أوستراليا.
شكّلت كأس العالم محطةً لنجومٍ شبان لرفع قيمتهم السوقية رغم عدم فوزهم باللقب


ونفس الأمر يمكن قوله عن زميله أليكسيس ماكاليستر الذي سأل كثيرون عن سبب استدعاء المدرب ليونيل سكالوني له إلى تشكيلة الأرجنتين، وهو الذي لم يسبق له خوض اكثر من 8 مباريات دولية. لكن فجأةً ومن خلال نشاطه الرهيب على أرضية الميدان وتنفيذه واجباته بدقة، أصبح اللاعب المثالي في خط الوسط المتقدّم، ولاعب الدفاع الأول من خلال قدراته البدنية التي تسمح له بأن يكون أول لاعبٍ يضغط على حامل الكرة عند الخصم.
ماكاليستر لن يبقى طويلاً مع فريقه الحالي برايتون الإنكليزي الذي لم يدفع فيه أكثر من 8 ملايين يورو قبل 4 أعوام، وها هو سعره اليوم يصل إلى 32 مليوناً، ما يجعله هدفاً سهلاً للأندية البارزة في إنكلترا وخارجها.

ثنائي مغربي رائع
وكما هو الحال أرجنتينياً، قدّم المغرب ثنائياً رائعاً في خط الوسط تمثّل بسفيان أمرابط وعز الدين أوناحي اللذين صدما العالم والمنافسين بجودة الكرة التي قدّماها، وبالتقنية العالية التي يملكها كلُّ منهما.
ارتقاء أمرابط إلى هذا المستوى لم يكن مفاجئاً، فهو من خريجي المدرسة الهولندية قبل أن يختار اللعب لبلاده الأم، ومن ثم يصل إلى الدوري الإيطالي حيث يلعب مع فيورنتينا. وبروحه القتالية العالية وعدم استسلامه ونضجه في التصرف بالكرة أو التحرك من دونها وتنظيمه للعب، قدّم أمرابط نفسه نجماً عالمياً، إذ بعدما هبطت قيمته السوقية من 20 مليون يورو إلى 10 مليون في ظرف سنتين، بدأ السباق بسرعة للحصول على توقيعه، فحُكي عن صفقة بقيمة 50 مليون يورو يحضّرها توتنهام لضمّه إلى صفوفه.
أما أوناحي فهو بلا شك الاكتشاف الأبرز في المونديال المنتهي، وهو الذي جعل مدرب إسبانيا لويس إنريكه يقول وهو في حالة صدمة بعد سقوط منتخب بلاده أمام المغرب: «لا أعلم من أين جاء هذا الولد».

(أ ف ب )

بالفعل برز لاعب وسط أنجيه الفرنسي منذ البداية وحتى النهاية في مشواره المونديالي، وذلك من خلال إمكاناته التقنية والمهارية العالية، وقدرته الفائقة على التحكم بالكرة والمراوغة المزيّنة باللمسة الجميلة، وقد أضاف إليها التزاماً تاماً بواجباته الدفاعية، ما يجعله لاعب وسطٍ ديناميكياً عصرياً على أعلى مستوى، وهو ما نتج اهتماماً سريعاً من أندية «البريميير ليغ»، وعلى رأسها ليستر سيتي الذي إذا ما أراده عليه أن يدفع أضعاف القيمة السوقية التي وُسم بها قبل انطلاق المونديال وبلغت 3.5 مليون يورو فقط.
فعلاً شكّلت كأس العالم محطةً لنجومٍ شبان كثر لرفع قيمتهم السوقية رغم عدم فوز بلدانهم باللقب، وذلك على غرار الإنكليزي جود بيلينغهام (150 مليون يورو)، البرتغالي رافايل لياو (100 مليون)، الكرواتي يوسكو غفارديول (90 مليون)، والهولندي كودي غاكبو (60 مليون).
كما قدّمت البطولة نجوماً للمستقبل، أمثال المهاجم البرتغالي غونسالو راموش الذي سرق الأضواء من النجم الأول في بلاده كريستيانو رونالدو بتسجيله «هاتريك» في مرمى سويسرا. وأيضاً برز اسم حارس المرمى الكرواتي دومينيك ليفاكوفيتش الذي قد يحصل أخيراً على فرصة اللعب خارج بلاده مع ربط اسمه ببايرن ميونيخ بطل ألمانيا لتعويض إصابة مانويل نوير، بينما رفع المونديال أسهم أسماء معروفة على غرار الفرنسي أدريان رابيو، الذي سيكون هدفاً مشتركاً للعديد من الأندية عند نهاية عقده مع فريقه يوفنتوس الإيطالي في الصيف المقبل.