هناك الكثير من الذكريات الأليمة في عالم كرة القدم، خاصة عندما يتعلّق الأمر بأزمات القلب عند اللّاعبين. برزت في السنوات الماضية العديد من الحالات المأساوية التي أدّت إلى الوفاة مثل ما حصل مع كلٍّ من، مارك فيفيان فويه مع منتخب في الكاميرون، كما أنطونيو بويرتا الإسباني وشيخ تيوتي القادم من ساحل العاج... فيما دفعت آخرين للاعتزال المبكر، مثل: فابريس موامبا، روبين دي لا ريد، عبدالحق النوري وغيرهم...أزمات القلب التي حصلت على فترات متباعدة فيما مضى، كثرت في العامَين الماضيَين، ولعلّ أبرز تلك الحالات ما حصل مع اللّاعب الدنماركي كريستيان إيركسن الذي انهار خلال مباراة لمنتخب بلاده ضد فنلندا في بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2020. تمّ إجراء الإنعاش القلبي للّاعب على الفور، وسط مشاهد صعبة للغاية. تم التأكّد لاحقاً من إصابة إيريكسن بسكتة قلبية، وهي حالة طبّية طارئة تتعلّق بفشل القلب في ضخ ما يكفي من الدّم للجسم.
إيركسن هو اللّاعب الأشهر الذي تعرّض لمشكلات في القلب نظراً للمشاهد الحيّة التي بُثّت مباشرة على الهواء، لكنه ليس الوحيد. ففي تشرين الثاني الماضي، أُصيب مهاجم ويغان الإنكليزي تشارلي ويك بنوبةٍ قلبية خلال التدريبات، وقام مدير النادي ليم ريتشاردسون بإجراء الإنعاش القلبي الرئوي للّاعب حتّى استقرت حالته، ليوضح ويغان بعدها بأن اللّاعب لم يتمّ تطعيمه ضد كورونا قبل تعرّضه لنوبةٍ قلبية. وبعد أشهر، أعلن اللّاعب الأرجنتيني سيرجيو أغويرو اعتزاله كرة القدم إثر عدم انتظام ضربات قلبه، تبع ذلك مشكلات قلبيّة لمهاجم آرسنال بيير إيمريك أوبميانغ دون إغفال ارتداء فيكتور ليندلوف جهاز مراقبة القلب بعد مغادرته مباراة مانشستر يونايتد في نورويتش ممسكاً بصدره (أصدر يونايتد بياناً قال فيه إنّ حالة ليندلوف ليست مرتبطة بكورونا).

الأسباب الصحيّة
وفقاً لدراسة نشرتها صحيفة «الغادريان» البريطانية، تعود مشكلات القلب التي أصبحت شائعة بين لاعبي كرة القدم لعدة عوامل، أكثرها شيوعاً هي اعتلال عضلة القلب الضخامي (HCM) وهي حالة وراثية، حيث تصبح جدران عضلة القلب سميكة ويمكن أن تؤثّر العضلة المتضخّمة بعد ذلك على النظام الكهربائي للقلب. سبب آخر هو تشوّهات الشريان التاجي التي تتعرض للضغط خلال التمارين ولا توفر بالتالي تدفّق الدم المناسب للعضلة. وللتعمّق أكثر في مشكلات القلب التي تواجه لاعبي كرة القدم، أجرى استشاري أمراض القلب الدكتور أنيل مالهوترا دراسة على لاعبين شباب (بين عامَي 1997 و2016) حيث خضع لاعبون لفحص تخطيط كهربائي للقلب ومسح بالموجات فوق الصوتية للقلب (echocardiogram). وكان لدى 42 لاعباً أمراضاً قلبية يمكن أن تسبب الموت المفاجئ، ولم تظهر عليهم أي أعراض قبل الاختبار، وخضع 30 من أصل 42 لاعباً لعملية جراحية أو علاج آخر لعيب في القلب، وتمكنوا من العودة للعب كرة القدم، لكن الـ12 الآخرين توقفوا عن اللّعب نهائياً. وتوفي 8 لاعبين شملتهم الدراسة بسبب أمراض القلب أثناء التمرين. ستة من حالات الوفيّات لم يتم اكتشافها خلال الفحوصات، واثنان تم تشخيص إصابتهما باعتلال عضلة القلب الضخامي، وطُلب منهما عدم ممارسة الرياضة التنافسية.
اعتزل عدد كبير من اللّاعبين أخيراً بسبب مشكلات في عمل القلب


«كورونا بريء»
كثرة الحالات أخيراً أثارت قلق وتساؤلات الوسط الرياضي عما إذا كان الأمر مرتبط بفيروس كورونا، خاصةً وأن لياقة اللّاعبين البدنية العالية، إضافةً إلى خضوعهم لفحوصات دورية،يجب أن يقلّل نسب الإصابات. في هذا الإطار، نفى بروفيسور القلب الرياضي ورئيس قسم الأبحاث في جامعة سانت جورج بلندن سانجاي شارما في حديث صحافي إمكانية ارتباط الحالات بكورونا، قائلاً: «الجميع يقفز إلى استنتاج مفاده أنه مرتبط بكورونا، أو الأسوأ من ذلك، وهو أن التهاب عضلة القلب مرتبط باللّقاح. يمكنني أن أقول بأن ما حدث لإريكسن على سبيل المثال لا علاقة له بكوفيد أو اللّقاح، ولا ما حدث مع أغويرو أيضاً».
ونقلت تقارير إعلامية عن الدكتور كريستيان شميد، وهو رئيس طب القلب في العيادات الخارجية في مستشفى جامعة زيورخ قوله: «قد يبدو أن الحالات تزداد مع زيادة الناس الذين يمارسون الرياضة على مستوى أعلى. علينا التفريق بين ما يتعلّق بالأسباب الكامنة وراء SCD (الموت القلبي المفاجئ) عند الرياضيّين الأصغر سنّاً، إذ تعود الغالبية العظمى من الوفيّات إلى مرض وراثي كامن». ثمّ أضاف: «هذه الأمراض موجودة، والتحدّي الذي نواجهه هو اكتشافها من خلال الفحص المناسب. يجب الإشارة إلى أنّ الإجهاد والتوتّر كما الضّغط والمنافسة تزيد من مخاطر عدم انتظام ضربات القلب». وفي هذا الإطار لا بدّ من التّأكيد على أن عدد المباريات أصبح أعلى بكثير عمّا كان عليه الأمر في مطلع قبل حوالى 20 عاماً، مع الإشارة لعدم حصول اللاعبين على الراحة الكافية.
إذاً، وبحسب الاختصاصيّين، لا علاقة لكورونا بالأمر، لكن الغموض السائد حول الجائحة إضافةً لأزمات القلب التي تحدث في صفوف الجماهير وبكثرة أيضاً يتركان باب التساؤل مفتوحاً... الفترة القادمة ربّما تعطي صورة أوضح عن الأمر.